لضررهم المحض لأجل منفعة أولئك؟ وإذا أثبتم اقتضاء الحكمة لذلك طولبتم بأمر هو أشكل عليكم من هذا ؛ وهو ما جعل من المضار وسيلة إلى حصول غيره إن لم تكن الغاية حاصلة منه ؛ وإلا كان تفويته أولى لما في تفويته من عدم الشر والفساد ، وهذه الوسيلة قد ترتب عليها دخول واحد من الألف إلى الجنة وتسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار. فأين الحكمة والمصلحة التى حصلت للمكلفين في خلق الشياطين؟ فهذان سؤالان فى هذا المقام لا يتم مقصودكم إلا بالجواب عنهما.
قيل : حاصل السؤالين أنه أي مصلحة في خلق الشياطين والكفرة لأنفسهم ، وأن مفسدة من خلقوا لمصلحته بهم أضعاف ما حصل لهم من المصلحة والجواب عنها من عدة مسالك.
المسلك الأول : إنا وإن عللنا أفعال الرب بالحكم فإنا لا نوجب عليه حكمة رعاية المصالح بل نقول : إن له في كل خلقه (من الحكمة ما) تعجز العقول عن الإحاطة بها. وحكمته أعلى وأعظم أن توزن بعقولنا. وقد بينا بعض الحكم في خلقهم وما يترتب عليها مما هو أحب إليه من فواته ، وهذا المحبوب له إن استلزم وجوده مفسدة في حق ذلك المخلوق ، فالحكمة الحاصلة بخلقه أعظم من تلك المفسدة وهذا كما أن المصلحة والمفسدة الحاصلة من ذبح القرابين والهدي والأنساك والضحايا وغيرها أعظم من المفسدة الحاصلة للحيوان بالذبح ، والكفار قرابين أهل الإيمان.
المسلك الثاني : إنا نعلل أفعاله سبحانه بالمصالح ، لكن لا على الوجه الذي سلكه أهل القدر والاعتزال من رعاية المصالح التى اقترحتها عقولهم وحكمت بأنه هو أصلح. وهذا مسلك باطل يقابل في البطلان مسلك خصومهم من الجبرية الذين ينكرون أن يفعل لغاية أو أن يكون لفعله علة البتة. فنقول : نعم في خلقهم أعظم المصالح التى هي فعل من ليس كمثله شيء ، في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. بل هو منزه عن مشابهة خلقه في شيء من ذلك. ثم لنا في هذا المسلك طريقان : أحدهما أن نقول خلقوا لمصلحتهم ، من معرفته سبحانه