فنقول : تقسيمكم الألفاظ ومعانيها واستعمالها فيها إلى حقيقة ومجاز ؛ إما أن يكون عقليا أو شرعيا ، أو لغويا أو اصطلاحيا ، والأقسام الثلاثة الأول باطلة ، فإن العقل لا مدخل له في دلالة اللفظ وتخصيصه بالمعنى المدلول عليه حقيقة كان أو مجاز فإن دلالة اللفظ على معناه ـ وليست كدلالة الانكسار على الكسر والانفعال على الفعل ـ لو كانت عقلية لما اختلفت باختلاف الأمم ولما جهل أحد معنى لفظ ، والشرع لم يرد بهذا التقسيم ولا دل عليه ، ولا أشار إليه ؛ وأهل اللغة لم يصرح أحد منهم بأن العرب قسمت لغاتها إلى حقيقة ومجاز ولا قال أحد من العرب قط : هذا اللفظ حقيقة وهذا مجاز ، ولا وجد في كلام من نقل لغتهم عنهم مشافهة ولا بواسطة ذلك ، ولهذا لا يوجد في كلام الخليل وسيبويه والفراء وأبى عمرو بن العلاء والأصمعى وأمثالهم ، كما لم يوجد ذلك في كلام رجل واحد من الصحابة ولا من التابعين ولا تابع التابعين ، ولا في كلام أحد من الأئمة الأربعة.
* * *
وهذا الشافعي وكثرة مصنفاته ومباحثه مع محمد بن الحسن وغيره لا يوجد فيها ذكر المجاز البتة ؛ وهذه رسالته التي هي كأصول الفقه لم ينطق فيها بالمجاز في موضع واحد ، وكلام الأئمة مدون بحروفه لم يحفظ عن أحد منهم تقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز ، بل أول من عرف عنه في الإسلام أنه نطق بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه صنف في تفسير القرآن كتابا مختصرا سماه مجاز القرآن ، وليس مراده به تقسيم الحقيقة ، فإنه تفسير لألفاظه بما هي موضوعة له ، وإنما عنى بالمجاز ما يعبر به من اللفظ ويفسر به كما سمي غيره كتابه معانى القرآن ، أى ما يعنى بألفاظه ويراد بها ، كما يسمى ابن جرير الطبري وغيره ذلك تأويلا ، وقد وقع في كلام أحمد شيء من ذلك ؛ فإنه قال في «الرد على الجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن» : وأما قوله (إِنِّي مَعَكُمْ) [المائدة :