١٢] فهذا من مجاز اللغة. يقول الرجل للرجل : سيجري عليك رزقك. أنا مشتغل بك. وفي نسخة ، وأما قوله : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه : ٤٦] فهو جائز في اللغة. يقول الرجل للرجل : سأجري عليك رزقك وسأفعل بك خيرا.
قلت : مراد أحمد أن هذا الاستعمال مما يجوز في اللغة ، أي هو في جائز اللغة لا من ممتنعاتها ، ولم يرد بالمجاز أنه ليس بحقيقة وأنه يصح نفيه ، وهذا كما قال أبو عبيدة في «تفسيره» إنه مجاز القرآن ، ومراد أحمد أنه يجوز في اللغة أن يقول الواحد المعظم نفسه : نحن فعلنا كذا : فهو مما يجوز في اللغة ، ولم يرد أن في القرآن ألفاظا استعملت في غير ما وضعت له ، وأنها يفهم منها خلاف حقائقها ، وقد تمسك بكلام أحمد هذا من ينسب إلى مذهبه أن في القرآن مجازا كالقاضى أبي يعلى وابن عقيل وابن الخطاب وغيرهم ، ومنع آخرون من أصحابه ذلك ، كأبي عبد الله بن حامد ، وأبي الحسن الجزرى وأبي الفصل التميمي.
وكذلك أصحاب مالك مختلفون ، فكثير من متأخريهم يثبت في القرآن مجازا وأما المتقدمون كابن وهب وأشهب وابن القسم فلا يعرف عنهم ، في ذلك لفظة واحدة.
وقد صرح بنفي المجاز في القرآن محمد بن خوازمنداد البصرى المالكي وغيره من المالكية وصرح بنفيه داود بن على الأصبهاني وابنه أبو بكر ، ومنذر بن سعيد البلوطي ؛ وصنف في نفيه مصنفا ، وبعض الناس يحكى في ذلك عن أحمد روايتين.
وقد أنكرت طائفة أن يكون في اللغة مجاز بالكلية ، كأبي إسحاق الأسفرائيني وغيره ، وقوله له غور لم يفهمه كثير من المتأخرين ؛ وظنوا أن النزاع لفظي ؛ وسنذكر أن مذهبه أسد وأصح عقلا ولغة من مذهب أصحاب المجاز. وطائفة أخرى غلت في ذلك الجانب وادعت أن أكثر اللغة مجاز ، بل كلها ، وهؤلاء أقبح قولا وأبعد عن الصواب من قوله من نفي المجاز بالكلية ؛ بل من نفاه أسعد بالصواب.