رأيته وأكلت وشربت مجاز ، فإنها مستعملة في غير ما وضعت له. فإنها وضعت للمصادر المطلقة العامة ، فإذا استعملت في فرد من أفرادها فقد. استعملت في غير موضعها كما قال ابن جنى وغيره. ومعلوم أن هذه الألفاظ مطردة في مجازي استقاماتها ، فقد أطرد المجاز فأين عدم الاطراد الذي هو فرق بين الحقيقة والمجاز.
وكذلك حقائق كثيرة من الأفعال لا تطرد ولا يشتق منها اسم فاعل ولا مفعول ولا تدل على مصدر ، كالأفعال التى لا تتصرف ، مثل نعم وبئس ، وليس وحبذا وفعل التعجب.
وإذا أردتم بالاطراد الاشتقاق الحكمي المعنوي ، فلا يدل عدم اطراده على المجاز إذا ملوم منه أن تكون الألفاظ المستعملة في موضوعاتها الأول مجازا كالخابية والقارورة والبركة والنجم والمعدن وغيرها ، فإنها لم يطرد استعمالها فيما شاركها في أصل معناها.
فإن قلتم : منع المانع من الاطراد كما منع من اطراد الفاضل والسخي والعارف في حق الله تعالى. قيل لكم هذا دور ممتنع لأن عدم الاطراد حينئذ إنما يكون علامة المجاز إذا علم أنه لمانع.
ولا يعلم أنه لمانع إلا بعد العلم بالمجاز. وتقرير الدور أن يقال عدم الطرد له موجب وليس موجبه الشرع ولا اللغة. إذا التقدير بخلافه ، ولا العقل قطعا. فتعين أن يكون موجب عدم الطرد كون اللفظ مجازا. فيلزم الدور ضرورة.
الوجه الثاني والعشرون : تفريقكم بين الحقيقة والمجاز بجمع مفرديهما. فإذا جمع الحقيقة على صفة ثم جمع ذلك اللفظ على صفة أخرى كان مجازا. مثله لفظ الأمر فإنه يجمع إذا استعمل في القول المخصوص على أوامره ويجمع إذا استعمل في الفعل على أمور وهذا التفريق من أفسد شيء وأبطله ، فإن اللفظ يكون له عدة جموع باعتبارهم مفهوم واحد كشيخ مثلا ، فإنه يجمع على عدة جموع أنشدناها شيخنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلى قال أنشدنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن مالك لنفسه :