بفساد الفرق بمعنى الاطراد للحقيقة ، والمنفى عن المجاز ما تعنون به أولا؟ فالاطراد نوعان : اطراد سماعى واطراد قياسي. فإن عنيتم الأول كان معناه ما اطرد السماع باستعماله في معناه فهو حقيقة وما لم يطرد السماع باستعماله فهو مجاز ، وهذا لا يفيد فرقا البتة فإن كل مسموع فهو مطرد في موارد استعماله وما لم يسمع فهو مطرد الترك فليس في السماع مطرد الاستعمال وغير مطرده ، وإن عنيتم الاطراد القياسي فاللغات لا تثبت قياسا إذ يكون ذلك إنشاء واختراعا ولو جاز المتكلم أن يقيس على المسموع ألفاظا يستعملها في خطابه نظما ونثرا لم يجز له أن يحمل كلام الله ورسوله وكلام العرب على ما قاسه على لغتهم. فإن هذا كذب ظاهر على المتكلم بتلك الألفاظ أولا. فإنه ينشئ من عنده قياسا يضع به ألفاظا لمعان بينها وبين تلك المعانى وهذا كثيرا ما تجده في كلام من يدعي التحقيق والنظر ، وهذا من أبطل الباطل القول به حرام. وهو قول على الله ورسوله بلا علم.
وإن أردتم بالاطراد وعدمه اطراد الاشتقاق فيصدق اللفظ حيث وجد المعنى المشتق منه. قيل لكم الاشتقاق نوعان : وصفي لفظي. وحكمي معنوى ؛ (فالأول) كاشتقاق اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة. وأمثاله المبالغة من مصادرها ، (والثاني) كاشتقاق الخابية (١) من الخبء. والقارورة من الاستقرار (٢) والنكاح من الضم ، ونظائر ذلك ، فإن أردتم بالاطراد النوع الأول فوجوده لا يدل على الحقيقة. وعدمه لا يدل على المجاز. أما الأول فلأنه يجرى مجرى الألفاظ المجازية عندكم ، ولا سيما من قال : إن ضربت زيدا أو
__________________
(١) الخابية : وعاء الماء الّذي يحفظ فيه ، والخبء : المدخر والمخبوء ، وفي القرآن الكريم : (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). (الوجيز) بتصرف.
(٢) القارورة : وعاء من الزجاج تحفظ فيه السوائل ، وتشبّه به المرأة ، والجمع : قوارير ، وفي الخبر : «رفقا بالقوارير».
والمستقر : القرار والثبوت ، ويقال : لكل نبأ مستقر : غاية ونهاية. ومنها : المقر : موضع الاستقرار ، والمقار : محل يتخذه الإنسان مكانا لإقامته ا ه المصدر السابق بتصرف.