لذلك التزمه وقال أكثر اللغة مجاز. وكذلك الذين صنفوا في مجاز القرآن هم بين خطتين إحداهما التناقض البين. إذ يحكمون على اللفظ بأنه مجاز وعلى نظيره بأنه حقيقة أو يجعلون الجميع مجازا ، فيكون القرآن كله إلا القليل منه مجازا حقيقة له وهذا من أبطل الباطل.
* * *
والمقصود أنه إن كان كل ما دل بالقرينة دلالته غير دلالته عند التجرد منها مجازا لزم أن تكون اللغة كلها مجازا فإن كل لفظ يدل عند الاقتران دلالة خاصة غير دلالته عند الإطلاق ، وإن فرقتم بين (بعض) القرائن اللفظية وبعض لم يمكنكم أن تذكروا أنواعا منها إلا عرف به بطلان قولكم ، إذ ليس في القرائن التي تعينوها ما يدل على أن هذا اللفظ مستعمل في موضعه ولا فيها ما يدل على أنه غير مستعمل في غير موضوعه. وإن طردتم ذلك وقلتم نقول إن الجميع مجاز كان هذا معلوم كذبه وبطلانه بالضرورة واتفاق العقلاء. إذ من المعلوم بالاضطرار أن أكثر الألفاظ المستعملة فيما وضعت له لم تخرج عن أصل وضعها وجمهور القائلين بالمجاز معترفون بأن كل مجاز لا بد له من حقيقة فالحقيقة عندهم أسبق وأعم وأكثر استعمالا وقد اعترفوا بأنها الأصل والمجاز على خلاف الأصل ، فلا يصار إليه إلا عند تعذر الحمل على الحقيقة. ولو كانت اللغة أو أكثرها مجازا كان المجاز هو الأصل ، وكان الحمل عليه متعينا. ولا يحمل اللفظ على حقيقة ما وجد إلى المجاز سبيلا ، وفي هذا من إفساد اللغات والتفاهم ما لا يخفى.
* * *
الوجه الحادى والعشرون : إنكم فرقتم بين الحقيقة والمجاز بالاطراد وعدمه. فقلتم يعرف المجاز بعدم اطراده دون العكس أي لا يكون الاطراد دليل الحقيقة. أو لا يلزم من وجود المجاز عدم الاطراد. وعلى التقديرين فالعلامة يجب طردها ولا يجب عكسها وهذا الفرق غير مطرد ولا منعكس ونطالبكم قبل البيان