مجازا في مضاف آخر ، ونسبته إلى هذا المضاف كنسبة الآخر إلى المضاف الآخر. فجناح الملك حقيقة فيه ، قال الله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (فاطر : ١٠) فمن قال ليس للملك جناح حقيقة ، فهو كاذب مفتر ناف لما أثبته الله تعالى ؛ وإن قال : ليس له جناح من ريش. قيل له. من جهلك اعتقادك أن الجناح الحقيقي هو ذو الريش وما عداه مجاز ، لأنك لم تألف إلا الجناح الريش ، وطرد هذا الجهل العظيم أن يكون كل لفظ أطلق على الملك وعلى البشر أن يكون مجازا في حق الملك كحياته وسمعه وبصره وكلامه. فكيف بما أطلق على الرب سبحانه من الوجه واليدين والسمع والبصر والكلام والغضب والرضى والإرادة ، فإنها لا تماثل المعهود في المخلوق ، ولهذا قالت الجهمية المعطلة إنها مجازات في حق الرب لا حقائق لها وهذا هو الّذي حدانا على تحقيق القول في المجاز ، فإن أربابه ليس لهم فيه ضابط مطرد ولا منعكس وهم متناقضون غاية التناقض ، خارجون عن اللغة والشرع وحكم العقل ، إلى اصطلاح فاسد يفرقون به بين المتماثلين ، ويجمعون بين المختلفين ، فهذه فروقهم قد رأيت حالها وتبينت محالها. يوضحه :
الوجه الرابع والعشرون : إن العرب لم تضع جناح الذل لمعنى ثم نقلته من موضعه إلى غيره. ومن زعم ذلك فهو غالط ، فليس لجناح الذل مفهومان وهو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر كما يمكن ذلك في لفظ أسد وبحر وشمس ونحوها ، وإنما ينشأ الغلط في ظن الظان إنهم وضعوا لفظ جناح مطلقا هكذا غير مقيد ، ثم خصوه في أول وضعه بذوات الريش ثم نقلوه إلى الملك والذل فهذه ثلاث مقدمات لا يمكن بشر على وجه الأرض إثباتها. ولا سبيل إلى العلم بها إلا بوحي من الله تعالى.
الوجه الخامس والعشرون : قولكم نفرق بين الحقيقة والمجاز يتوقف المجاز على المسمى الآخر بخلاف الحقيقة ؛ ومعنى ذلك أن اللفظ إذا كان إطلاقه على أحد مدلوليه متوقفا على استعماله في المدلول الآخر كان بالنسبة إلى مدلوله الّذي يتوقف على المدلول الآخر مجازا. وهذا مثل قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ)