قال أبو الطيب :
وإذا خص من العموم شيء لم تبطل دلالته في الثاني. وقال عيسى بن أبان يصير مجازا وتبطل دلالته. واحتج من نصر قوله بأن اللفظ صار مستعملا في غير ما وضع له. فاحتاج إلى دليل يدل على المراد به ، فإن لفظه لا يدل عليه. وصار بمنزلة المجمل الذي لا يدل على المراد بلفظه ويحتاج إلى قرينة تفسره وتدل على المراد به. قال وهذا عندنا غير صحيح لأن فاطمة احتجت بقوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء : ١١) فلم ينكر أحد احتجاجها بهذه الآية وإن كان قد خص منها الولد القائل والرقيق والكافر ، وإنما خصوا ميراث رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسنة خاصة. فدل هذا على أن تخصيص العموم لا يمنع من الاحتجاج به فيما لم يخص منه.
قال وأيضا : فإن دلالة اللفظ سقطت فيما عارضه الخاص لأنه أقوى منه وفيما عداه باقية لأنه لا معارض له فجاز الاحتجاج به فيما لم يخص منه.
فإن قال : هذا منتقض على أصلك بالعلة إذا خصت فإنه لا يجوز الاحتجاج بها فيما لم يخص منها. فالجواب : أن العلة إذا خصت كانت منتقضة فلم تكن علة لذلك الحكم وليس كذلك العموم فإنه إذا خص منه شيئا كان دلالته باقية فيما لم يخص منه لأنه إنما كان دليلا في جميع ما تناوله من الجنس لكونه قولا لصاحب الشريعة لا معارض له فيه وهذا المعنى يوجد فيما لم يخص منه لأن التخصيص يحصل باقتراض الشرط أو الصفة أو الغاية ولا يمنع الاحتجاج به ، فكذلك التخصيص باللفظ المنفصل.
قال وأما الجواب عن قول المخالف أنه مستعمل في غير ما وضع له ، وأنه غير دال على المراد به ويحتاج إلى قرينة ، فلا نسلم أنه غير مستعمل في غير ما وضع له ، لأن هذا اللفظ موضوع للعموم بمجرده وللخصوص بقرينة وهذا غير ممتنع في اللغة لأنا أجمعنا على أنه موضوع بمجرده للعموم والخصوص بقرينة متصلة به