والقرائن ضربان : لفظية ومعنوية ، واللفظية نوعان : متصلة ومنفصلة ، والمتصلة ضربان : مستقلة وغير مستقلة ، والمعنوية إما عقلية وإما عرفية ؛ والعرفية إما عامة وإما خاصة وتارة يكون عرف المتكلم وعادته ، وتارة عرف المخاطب وعادته ، فما الّذي تعتبرون في المجاز من تلك القرائن ، هل هو الجميع؟ فكل ما اقترن به شيء من ذلك كان مجازا ، فجميع لغات بني آدم مجاز ، أو اللفظية دون المعنوية أو العكس ، أو بعض اللفظ دون بعض ، فلا يذكرون نوعا من ذلك إلا طولبوا بالفرق بينه وبين بقية الأنواع لغة أو عقلا أو شرعا ، وكانوا في ذلك متحكمين مفرقين بين ما لا يسوغ التفريق بينه.
الوجه الحادى والأربعون : إن جمهور الأمة على أن العالم المخصوص حقيقة ، سواء خص بمتصل أو منفصل ، بعقلى أو لفظي كما تقدم ، وأنه حجة بإجماع الصحابة والتابعين وتابعييهم ، وإنما حدث الخلاف في ذلك بعد انقراض العصور المفضلة التي شهد لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأنها خير القرون ، وقالوا إنه يصير بعد التخصيص مجازا ، وقال بعضهم يبقى مجملا لا يحتج به ، فقال لهم الجمهور : هو بعد التخصيص مستعمل فيما وضع له ، قالوا فإنه موضوع للعموم بمجرده وللخصوص بقرينة متصلة به مثل الاستثناء ، فإن قوله اقتلوا المشركين إلا أهل الكتاب ليس مجازا وهو مستعمل فيما وضع له ، والقرينة المنفصلة في معنى القرينة المتصلة ، والخاص مع العام بمنزلة المستثنى مع المستثنى منه ، ولذلك يقول القائل خرج زيد ، فيكون إخبارا عن خروجه ، ويضم إليه «ما» فيكون إخبار عن ضده ، وتضيف إليه الهمزة فيكون استفهاما ، وكل ذلك حقيقة. فكذلك مسئلتنا.
هذه ألفاظ القاضى أبي الطيب. فتأمل كيف هى صريحة في نفي المجاز ، وأن اللفظ موضوع لمطلق المعنى وبالقرينة لغيره ، وأن ذلك كله حقيقة ، وهذا هو التحقيق دون التحكم والتناقض ، ولهذا لما فهم القائلون بأنه يصير مجازا بعد التحقيق عن ذلك ألزموا الجمهور بنفي المجاز ، فقالوا هذا يؤدى إلي أن يكون في اللغة مجاز. قالوا لأن قولنا (بحر) موضوع للماء الكثير بمجرده ، والعالم