غيرهم ، ولا يستعمل إلا مقيدا ، (والاستعمال يقيده قطعا) ، ولا يجتمع قولكم إن الحقيقة اللفظ المستعمل فيما وضع له ، وقولكم هى ما يسبق إلى الفهم من اللفظ عند تجرده عن كل قرينة ، فتأمله ، يوضحه :
الوجه الرابع والأربعون : وهو مما يرفع المجاز بالكلية أنهم قالوا إن من علامة الحقيقة السبق إلى الفهم ، وشرطوا في كونها حقيقة الاستعمال كما تقدم ، وعند الاستعمال لا يسبق إلى الفهم غير المعنى الذي استعمل اللفظ فيه فيجب أن يكون حقيقة ، فلا يسبق إلى فهم أحد من قول النبي صلىاللهعليهوسلم في الفرس الذي ركبه «إن وجدناه لبحرا» (١) الماء الكثير المستبحر ، فإن في (وجدناه) ضميرا يعود على الفرس يمنع أن يراد به الماء الكثير ، ولا يسبق إلى فهم أحد من قوله صلىاللهعليهوسلم «إن خالدا سيف سله الله على المشركين» (٢) أن خالدا حديدة طويلة له شفرتان ، بل السابق إلى الأفهام من هذا التركيب نظير السابق من قولهم : «يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء» (٣) ونظير السابق إلى الفهم من قوله إنه قال لا إله إلا الله بعد ما علوته بالسيف ، فكيف كان هذا حقيقة وذاك مجازا ، والسبق إلي الفهم في الموضعين واحد؟
__________________
(١) تقدم تخريجه ..
(٢) رواه الإمام أحمد (١ / ٨) والحاكم (٣ / ٢٩٨) بنحوه وصححه وذكره الحافظ الهيثمى في «المجمع» (٩ / ٣٤٨) وعزاه إلى الطبرانى وأحمد وقال : ورجالهما ثقات ا ه وقال الشيخ أحمد شاكر رحمهالله : إسناده صحيح ا ه «تحقيق المسند» (٤٣) ورواه الحاكم (٣ / ٢٩٨) بلفظ : «لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه على الكفار» وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، قال الذهبى : عن الشعبى مرسلا وهو أشبه ا ه.
وذكره أيضا الحافظ ابن حجر في الفتح (٧ / ١٢٧) وعزاه لابن حبان والحاكم وسكت عنه.
(٣) [حسن الإسناد وهو صحيح لغيره] أخرجه الإمام أحمد (٢ / ٢٣٧ ، ٣٦١ ، ٣٧٨ ، ٣٩٣) ، وأبو داود (٨٣) ، والترمذي (٦٩) ، والنسائي (١ / ١٧٦) ، والدارمى (٧٢٩ ، ٢٠١١) وابن ماجه (٣٨٦) ، والإمام مالك في «الموطأ» كتاب «الطهارة» باب (٣) ، وكتاب «الصيد» باب (٣).
وذكره الألباني في «صحيح ابن ماجه» وقال : حسن صحيح ا ه.