يشترط في المفعول أن يعم الفعل أجزاءه جميعا ؛ بل من الأفعال ما يعم جميع المفعول نحو أكلت الرغيف ، ومنها : ما يختصر بجزء من أجزائه نحو قطعت الخشب والعمامة إذا أوقعت القطع في وسطها أو جزء منها ، ولو حاول إنسان في ذلك لكونه مجازا وقال ما قطع الخشبة ولا العمامة لعد كاذبا ، ولما قال الله تعالى لموسى : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) (الشعراء : ٦٣) لم يفهم موسى أن حقيقة ذلك ضرب جميع أجزاء البحر بعصاه بل الذي امتثله هو حقيقة الضرب المأمور به ، وعندهم أن هذا مجاز من جهة الضرب ومن جهة العصا ومن جهة المضروب ، وطريق التخلص إلى الحقيقة عندهم في مثل هذا أن يأتي كلام في غاية الغي والاستكراه تعالى الله عنه علوا كبيرا ؛ فيقول : أوقع فردا من أفراد الضرب بجزء من أجزاء (عصاك على جزء من أجزاء) البحر ؛ فهذه السماجة والغثاثة عندهم هي الحقيقة ـ وتلك الفصاحة والبلاغة عندهم هي المجاز.
وقد زعم بعض المتحذلقين أن قولك : جاء زيد ، وكلمت زيدا ، ونحوه مجاز من وجه آخر وهو : أن زيدا اسم لهذا الموجود وهو من وقت الولادة إلى الآن قد ذهبت أجزاؤه واستخلف غيرها فإنه لا يزال في تحلل واستخلاف فليس زيد الآن هو الموجود وقت التسمية فقد أطلق الاسم على غير ما وضع له اللفظ أولا ، وأثبت هذا المتحذلق المجاز في الإعلام بهذه الطرائف ؛ وعلى هذا التقدير فيكون محمد رسول الله مجازا أيضا من هذا الوجه ، ويكون كل اسم لمسمى من بنى آدم مجازا ولا يتصور أن يكون حقيقة البتة ؛ وكفى بهذا القول سخفا وحمقا.
وتكايس بعضهم وأجاب عنه بأن قال : زيد اسم للنفس الناطقة وهى لا تتحلل ولا تتغير بل هي ثابتة من حين الولادة إلى حين الموت ، فلزمه ما هو أعظم من ذلك ، وهو أن يكون رأيت زيدا وضربت زيدا أو مرض زيد وأكل وشرب وركب وقام وقعد كله مجاز فإن الرؤية إنما وقعت على البدن لا على النفس وكذلك الضرب وبقية الأفعال.
والمقصود أن جعل ذلك كله مجازا خبط محض فإنه لا حقيقة للفظ سوى ذلك ولا يعرف له حقيقة خرج عنها إلى هذا الاستعمال حتى تصح دعوى