المجاز فيه ، بل هكذا وضع ، وهكذا استعملته العرب ، وجميع الأمم على اختلاف لغاتها ، وليس لها عندهم مفهوم حقيقي ومفهوم مجازي ، وأما كون أجزاء البدن في التحلل والاستخلاف فذاك أمر طبيعى لا تعلق له بالحقيقة والمجاز ، وإنما فسدت (العلوم) لما دخل فيها مثل هذه الهذيانات.
الوجه العشرون : قوله : إذا عرفت التوكيد ولم وقع في الكلام نحو نفسه وعينه وأجمع وكله وكليهما عرفت منه حال سعة المجاز في الكلام.
فيقال له : ليس ذلك من أجل المجاز ؛ كما أن التوليد الذي يلحق الكلام من أوله بأن وبالقسم بلام ، والابتداء ـ ليس لرفع المجاز نحو : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة : ١٧٣) ولأنت تفري ما خلقت (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) (النحل : ٦٣) وإنما هو الاعتناء به وتقويته في قلب السامع وتثبيت مضمونه وكذلك ما يلحقه في آخره من التأكيد بالنفس والعين وكل وأجمع ، كقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (الحجر : ٣٠) فإن اللفظ بمجموعه دال على نسبة الفعل إلى كل فرد من أفراد الملائكة ، هذا حقيقته ، وتكون دلالته على المجموع كدلالة المقيد ببعض على ما قيد به ، ونحو قوله : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ) (المزمل : ٢ ، ٣) فهذا حقيقة في الجميع ؛ وهذا حقيقة في النصف ، فإن أطلق حمل على ما يدل عليه اللفظ من عموم أو الإطلاق أو عهد (فالأول) كقوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (المطففين : ٦) ، وقوله : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (الناس : ١) ، (الثاني) كقوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) (آل عمران : ١٧٣) ، وقوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) (القدر : ٤) ، وقوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) (الفرقان : ٢٢) ، (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) ، (الثالث) كقوله : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (الأنفال : ١٢) فهؤلاء ملائكة معينون وهم الذين أنزلهم الله تعالى يوم بدر للقتال مع