المؤمنين ، واللفظ حقيقة في كل موضع من هذه المواضع مؤكدها ومجردها ، وعلمها ومطلقها ، فيأتي المتكلم باللفظ المطابق للمعنى الذي يريده ، ولو أتى بغيره لم يكن قاصدا لكمال البيان ، فقد ظهر لك أن وقوع التوكيد في هذه اللغة أقوى دليل على الحقيقة وقصدها عند الإتيان به وعند حذفه بحسب غرض المتكلم.
الوجه الحادى والعشرون : قوله : (وكذلك أيضا حذف المضاف مجاز ، وقد كثر ، حتى إن في القرآن الذي هو أفصح الكلام منه أكثر من ثلاثمائة موضع) جوابه من وجهين (أحدهما) أن أكثر المواضع التي ادعى فيها الحذف في القرآن لا يلزم فيها الحذف ولا دليل على صحة دعواه كقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) (الأعراف : ٤) ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) (الطلاق : ٨) ، إلى أمثال ذلك ، فادعى أهل المجاز أن ذلك كله من مجاز الحذف ؛ وأن التقدير في ذلك كله أهل القرية ؛ وهذا غير لازم ؛ فإن القرية اسم للقوم المجتمعين في مكان واحد ، فإذا نسب إلى القرية فعل أو حكم عليها بحكم أو أخبر عنها بخبر كان في الكلام ما يدل على إرادة المتكلم من نسبة ذلك إلى الساكن أو المسكن ، أو هو حقيقة في هذا وهذا ، وليس ذلك من باب الاشتراك اللفظي ، بل القرية موضوعة للجماعة الساكنين بمكان واحد ، فإذا أطلقت تناولت الساكن والمسكن ، وإذا قيدت بتركيب خاص واستعمال خاص كانت فيما قيدت به ، فقوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) (النحل : ١١٢) حقيقة في الساكن.
وكذلك لفظة القرية في عامة القرآن إنما يراد بها الساكن فتأمله ، وقد يراد بها المسكن خاصة ؛ فيكون في السياق ما يعينه كقوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (البقرة : ٢٥٩) أي ساقطة على سقوفها ، وهذا التركيب يعطى المراد فدعوى أن هذا حقيقة القرية ، وأن قوله : (وَكَأَيِّنْ