بوجه ، فإن هذا لو أمكن ثبوته في الخارج لم يعرف إلا بعد مقدمات طويلة صعبة جدا ؛ فكيف وهو محال في الخارج وإنما يفرضه الذهن فرضا ؛ ثم استدل على وجوده الخارجي ؛ فيستحيل وضع اللفظ المشهور عند كل أحد لهذا المعنى الذي هو في غاية الخفاء.
(التاسع) التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو في غاية العلو والشرف ؛ ويحطه إلى معنى دونه بمراتب ؛ مثاله تأويل الجهمية (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (الأنعام : ١٨) ونظائره بأنها فوقية الشرف ، كقولهم الدراهم فوق المفلس. فعطلوا حقيقة الفوقية المطلقة التى هي من خصائص الربوبية المستلزمة لعظمة الرب تعالى ، وحطوها إلى كون قدره فوق قدر بنى آدم ؛ وكذلك تأويلهم استواءه على عرشه بقدرته عليه وأنه غالب عليه.
فيا لله العجب ، هل شك عاقل في كونه غالبا لعرشه ؛ قادرا عليه ؛ حتى يخبر به سبحانه في سبعة مواضع من كتابه مطّردة بلفظ احد ؛ ليس فيها موضع واحد يراد به المعنى الذي أبداه المتأولون؟ وهذا التمدح والتعظيم كله لأجل أن يعرفنا أنه غلب على عرشه وقدر عليه بعد خلق السموات والأرض؟ أفترى لم يكن غالبا لعرش قادرا عليه في مدة تزيد عن خمسين ألف سنة ثم تجدد له ذلك بعد خلق هذا العالم؟
(العاشر) تأويل اللفظ بمعنى لم يدل عليه دليل من السياق ولا قرينة تقتضيه. فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه ، إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره حتى لا يوقع السامع في اللبس ، فإن الله تعالى أنزل كلامه بيانا وهدى ، فإذا أراد به خلاف ظاهره ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره إلى كل أحد لم يكن بيانا ولا هدى.
* * *