(السادس) اللفظ الذي اطرد استعماله في معنى هو ظاهر فيه ولم يعهد استعماله في المعنى المؤول أو عهد استعماله فيه نادرا ، فحمله على خلاف المعهود من استعماله باطل ، فإنه يكون تلبيسا يناقض البيان والهداية ، بل إذا أرادوا استعمال مثل هذا في غير معناه المعهود حفوا به من القرائن ما يبين للسامع مرادهم به لئلا يسبق فهمه إلى معناه المألوف. ومن تأمل كمال هذه اللغة وحكمة واضعها تبين له صحه ذلك.
(السابع) كل تأويل يعود على أصل النص بالإبطال فهو باطل كتأويل قوله صلىاللهعليهوسلم «أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل» (١) فيحمله على الأمة ؛ فإن هذا التأويل مع شدة مخالفته لظاهر النص يرجع على أصل النص بالإبطال وهو قوله : «فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها» ومهر الأمة إنما هو للسيد ، فقالوا : نحمله على المكاتبة ، وهذا يرجع على النص بالإبطال من وجه آخر ، فإنه أتى فيه ب «أى» الشرطية التى هي من أدوات العموم ، وأتى بالنكرة في سياق الشرط وهى تقتضى العموم ؛ وعلق بطلان النكاح بالوصف المناسب له المقتضى لوجود الحكم بوجوده ؛ وهو إنكاحها نفسها فرتبه على العلة المقتضية للبطلان وهو افتئاتها على وليها. وأكد الحكم بالبطلان مرة بعد مرة ؛ ثلاث مرات ؛ فحمله على صورة لا تقع في العالم إلا نادرا يرجع إلى مقصود النص بالإبطال ؛ وأنت إن تأملت عامة تأويلات الجهمية رأيتها من هذا الجنس بل أشنع.
(الثامن) تأويل اللفظ الذي له ظاهر لا يفهم منه عند إطلاقه سواه إلا بالمعنى الخفي الذي لا يطلع عليه إلا فرادى من أهل النظر والكلام ؛ كتأويل لفظ الأحد الذي يفهمه الخاصة والعامة بالذات المجردة عن الصفات التى لا يكون فيها معنيان
__________________
(١) [صحيح] أخرجه أحمد (٦ / ٦٦) ، وأبو داود (٢٠٨٣) ، والترمذي (١١٠٢) وقال : حديث حسن ، وابن ماجه (١٨٧٩) ، والحاكم (٢ / ١٦٨) وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» وانظر «الإرواء» (١٨٤٠).