أشرف المعاني وأعظمها فائدة إن يكون معناه ان الله أفضل من العرش والسماء ، ومن المثل السائر نظما :
ألم تر أن السيف ينقص قدره |
|
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا |
وهذا بخلاف ما إذا كان المقام يقتضي بذلك احتجاجا على مبطل وإبطالا لقول مشرك ، كما إذا رأيت رجلا يعبد حجرا فقلت له : الله خير أم الحجر فيحسن هذا الكلام في هذا المقام ما لا يحسن في قول الخطيب ابتداء : الحمد لله الذي هو خير من الحجارة ، ولهذا قال يوسف الصديق عليهالسلام في احتجاجه على الكفار (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ ، أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ ، أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف : ٣٩) وقال تعالى : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (النمل : ٥٩) يوضحه :
الوجه التاسع والعشرون : أن الرجل إذا تكلم بمثل هذا الكلام في حق المخلوق لكان مستهجنا جدا ، فلو قال الشمس أضوأ من السراج ، والمساء أكبر من الرغيف وأعلى من سقف الدار ونحو ذلك ؛ لكان مستهجنا مستقبحا مع قرب النسبة بين المخلوق والمخلوق ، فكيف إذا قيل ذلك بين الخالق تعالى والمخلوق ، مع تفاوت الذي بين الله وخلقه.
الوجه الثلاثون : إن الاستيلاء الذي فسروا به الاستواء ، إما أن يراد به الخلق أو القهر أو الغلبة أو الملك أو القدرة عليه ، ولا يصح أن يكون شيء منها مرادا ، أما الخلق فلأنه يتضمن أن يكون خلقه بعد خلق السموات والأرض ، وهذا بخلاف إجماع الأمة وخلاف ما دل عليه القرآن والسنة ، وإن ادعى بعض الجهمية المتأخرين أنه خلق بعد خلق السموات والأرض وادعى الإجماع على ذلك ، وليس العجب من جهله ، بل من إقدامه على حكاية الإجماع على ما لم يقله مسلم ، ولا يصح أن يراد بقية المعاني للوجوه التي ذكرناها وغيرها ، فلا يجوز تفسير الآية به ، ولهذا لم يقله عالم من علماء السلف بل صرحوا بخلافه كما قال أبو العالية علا وارتفع وقال مجاهد : استقر. وقال مالك : الاستواء معلوم.