وقال يزيد بن هارون : من زعم أن الرحمن فوق العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي. وقد تقدم حكاية قول من قال : استوى بذاته واستوى بحقيقته ، فأوجدونا عمن يقتدى بقوله في تفسير أو عن رجل واحد من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو عن إمام له في الأمة لسان صدق أنه فسر اللفظ باستولى ، ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا.
الوجه الحادي والثلاثون : إما أن يحيل العقل حمل الاستواء على حقيقته أو لا يحيله ، فإن أحاله العقل ولم يتكلم أحد من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام في تفسيره بخلاف ما يحيله العقل ، بل تفاسيرهم كلها مما يحيلها العقل لزم القدح في علم الأمة ونسبتها إلى أعظم الجهل لسكوتهم عن بيان الحق وتكلمهم بالباطل وهذا شر من قول الرافضة ، وإن لم يحله العقل وجب حمله على حقيقته لأنها الأصل والعقل لا يمنع منها.
الوجه الثاني والثلاثون : أن أئمة السنة متفقون علي أن تفسير الاستواء بالاستيلاء إنما هو متلقى عن الجهمية والمعتزلة والخوارج ، وممن حكى ذلك أبو الحسن الأشعري في كتبه ، وحكاه ابن عبد البر والطلمنكي عنهم خاصة. وهؤلاء ليسوا ممن يحكى أقوالهم في التفسير ولا يعتمد عليها. كما قال الأشعرى في تفسره الجبائي : كان القرآن قد نزل بلغة أهل جبّاء ، وقد علم أن هؤلاء يحرفون الكلم ويفسرون القرآن بآرائهم ، فلا يجوز العدول عن تفسير الصحابة والتابعين إلى تفسيرهم.
الوجه الثالث والثلاثون : إن الاستيلاء يكون مع مزايلة المستولى للمستولى عليه ومفارقته كما يقال استولى عثمان بن عفان على خرسان ، واستولى عبد الملك بن مروان على بلاد المغرب. واستولى الجواد على الأمد ، قال الشاعر :
ألا لمثلك أو من أنت سابقه |
|
سبق الجواد إذا استولى على الأمد |
فجعله مستوليا عليه بعد مفارقته له وقطع مسافته ، والاستواء لا يكون إلا مع مجاورة الشيء الذي يستوى عليه كما استوت على الجودي (لِتَسْتَوُوا عَلى