ولم يتمكنوا من ذلك في ألفاظ القرآن ؛ وإن كان الرافضة حرفوا كثيرا من لفظه ، وادعوا أن أهل السنة غيروه عن وجهه.
وأما تحريف المعنى فهذا الذي جالوا فيه وصالوا وتوسعوا وسموه تأويلا ، وهو اصطلاح فاسد حادث لم يعهد به استعمال في اللغة ، وهو العدول بالمعنى عن وجهه وحقيقته ، وإعطاء اللفظ معنى لفظ آخر بقدر ما مشترك بينهما ، وأصحاب تحريف الألفاظ شر من هؤلاء من وجه وهؤلاء شر من وجه ؛ فإن أولئك عدلوا باللفظ والمعنى جميعا عما هما عليه فأفسدوا اللفظ والمعنى ؛ وهؤلاء أفسدوا المعنى وتركوا اللفظ على حاله ، فكانوا خيرا من أولئك من هذا الوجه ، ولكن أولئك لما أرادوا المعنى الباطل حرفوا له لفظا يصلح له لئلا يتنافر اللفظ والمعنى ، بحيث إذا أطلق ذلك اللفظ المحرف فهم منه المعنى المحرف ، فإنهم رأوا أن العدول بالمعنى عن وجهه وحقيقته مع بقاء اللفظ على حاله مما لا سبيل إليه ؛ فبدءوا بتحريف اللفظ ليستقيم لهم حكمهم علي المعنى الذي قصدوا.
الوجه التاسع والثلاثون : إن استواء الرب المعدى بأداة (على) المعلق بعرشه المعرف باللام المعطوف بثم على خلق السموات والأرض المطرد في موارده على أسلوب واحد ونمط واحد لا يحتمل إلا معنى واحدا لا يحتمل معنيين البتة ؛ فضلا عن ثلاثة أو خمسة عشر كما قال صاحب (القواصم والعواصم) إذا قال لك المجسم (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) فقل استوى على العرش يستعمل على خمسة عشر وجها فأيها تريد؟
فيقال له كلا والذي استوى على العرش لا يحتمل هذا اللفظ معنيين البتة ، والمدعى الاحتمال عليه بيان الدليل ، إذ الأصل عدم الاشتراك والمجاز ، ولم يذكر على دعواه دليلا ولا بين الوجوه المحتملة حتى يصلح قوله : فأيها تريدون وأيها تعنون ، وكان ينبغى له أن يبين كل احتمال ويذكر الدليل على ثبوته ، ثم يطالب حزب الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم بتعيين أحد الاحتمالات ، وإلا فهم يقولون لا نسلم احتماله لغير معنى واحد ، فإن الأصل في الكلام الإفراد والحقيقة ، دون الاشتراك والمجاز فهم في منعهم أولى بالصواب منك في تعدد الاحتمال ،