الوجه الرابع : إن اطراد لفظها في موارد الاستعمال وتنوع ذلك وتصريف استعماله يمنع المجاز ، ألا ترى إلي قوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) وقوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) وقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر : ٦٧) فلو كان مجازا في القدرة والنعمة لم يستعمل منه لفظ يمين ، وقوله في الحديث الصحيح «المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين» (١) فلا يقال هذا يد النعمة والقدرة.
وقوله «يقبض الله سماواته بيده والأرض باليد الأخرى ثم يهزمن ثم يقول أنا الملك» (٢).
فهنا هز وقبض وذكر يدين. ولما أخبرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم جعل يقبض يديه ويبسطها تحقيقا للصفة لا تشبيها لها كما قرأ (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء : ١٣٤) ووضع يديه على عينيه (٣) وأذنيه تحقيقا لصفة السمع والبصر ، وأنهما حقيقة لا مجازا وقوله : «ولما خلق الله آدم قبض بيديه قبضتين وقال اختر ،
__________________
لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خلق كل منهما به وهى قدرته ، ولقال إبليس : وأى فضيلة له عليّ وأنا خلقتنى بقدرتك كما خلقته بقدرتك ، فلما قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) دل على اختصاص آدم بأن الله خلقه بيديه.
قال : ولا جائز أن يراد باليدين : «النعمتان» ، لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق ، لأن النعم مخلوقة ولا يلزم من كونهما صفتى ذات أن يكونا جارحتين ا ه أفاده الحافظ في «الفتح» (١٣ / ٤٠٥).
(١) رواه مسلم (١٨٢٧) ، والنسائي (٨ / ٢٢).
(٢) رواه البخاري (٧٤١٢) ، ومسلم (٢٧٨٨).
(٣) قال البيهقي : وأراد بهذه الإشارة تحقيق إثبات السمع والبصر لله ببيان محلهما من الإنسان ، يريد أن له سمعا وبصرا لا أن المراد به العلم ، فلو كان كذلك لأشار إلى القلب لأنه محل العلم ، ولم يرد بذلك الجارحة فإن الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين ا ه أفاده الحافظ في «الفتح» (١٣ / ٣٨٥).