جهة أنهم رأوا اليد تطلق على النعمة والقدرة في بعض المواضع ، فظنوا أن كل تركيب وسياق صالح لذلك ، فوهموا وأوهموا ، فهب أن هذا يصلح في قوله : لو لا يد لك لم أجزك بها ، أفيصلح في قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) (العنكبوت : ٤٨) وفي قول عبد الله بن عمر : وإن الله لم يباشر بيده أو لم يخلق بيده إلا ثلاثا : خلق آدم بيده ، وغرس جنة عدن بيده ، وكتب التوراة بيده (١) ، أفيصح في عقل أو نقل أو فطرة أن يقال : لم يخلق بقدرته أو بنعمته إلا ثلاثا.
الوجه السادس : إن مثل هذا المجاز لا يستعمل بلفظ التثنية ، ولا يستعمل إلا منفردا أو مجموعا كقولك : له عندي يد يجزيه الله بها وله عندي أياد ، وأما إذا جاء بلفظ التثنية لم يعرف استعماله قط إلا في اليد الحقيقية ، وهذه موارد الاستعمال أكبر شاهد فعليك بتتبعها.
الوجه السابع : إنه ليس من المعهود أن يطلق الله على نفسه معنى القدرة والنعمة بلفظ التثنية بل بلفظ الإفراد الشامل لجميع الحقيقة ، كقوله : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (البقرة : ١٦٥) وكقوله (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (إبراهيم : ٣٤) وقد يجمع النعم كقوله (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) (لقمان : ٢٠) وأما أن يقول : خلقتك بقدرتين أو بنعمتين ، فهذا لم يقع في كلامه ولا كلام رسوله صلىاللهعليهوسلم.
الوجه الثامن : إنه لو ثبت استعمال ذلك بلفظ التثنية لم يجز أن يكون المراد به هاهنا القدرة ، فإنه يبطل فائدة تخصيص آدم ، فإنه وجميع المخلوقات حتى
__________________
(١) [صحيح الإسناد] ذكره الحافظ الذهبي في «العلو للعلى الغفار» بلفظ : «خلق الله أربعة أشياء بيده : العرش ، والقلم ، وآدم وجنة عدن : ثم قال لسائر الخلق ، كن ، فكان» ، قال الذهبي : إسناده جيد ا ه.
وقال الشيخ الألباني في «المختصر» : أخرجه الدارمي (ص ٣٥ ، ٩٠) ، وأبو الشيخ في «العظمة» (٣٥ / ٢ ، ٢٠٩ / ٢) ، واللالكائي (١ / ٩٧ / ١) بسند صحيح على شرط مسلم.