المشهودة المخلوقة ، وحجاب الرب تبارك وتعالى نور وهو نار ، وهذه الأنواع كلها حقيقة بحسب مراتبها ، فنور وجهه حقيقة لا مجاز ، وإذا كان نور مخلوقاته كالشمس والقمر والنار حقيقة ، فكيف يكون نوره الذي نسبة الأنوار المخلوقة إليه أقل من نسبة سراج ضعيف إلي قرص الشمس ، فكيف لا يكون هذا النور حقيقة.
الوجه الثاني عشر : إن إضافة النور إليه سبحانه لو كان إضافة ملك وخلق لكانت الأنوار كلها نوره فكان نور الشمس والقمر والمصباح نوره ، فإن كانت حقيقة هذه الإضافة إضافة مخلوق إلى خالقه كان نوره حقيقة ، فيا عجبا لكم : أنكرتم أن يكون الله سبحانه نور السموات والأرض حقيقة ، وأن يكون لوجهه نور حقيقة ثم جعلتم نور الشمس والقمر والمصابيح نوره حقيقة ، وقد علم الناس بالضرورة فساد هذا ، وأن نوره المضاف إليه يختص به لا يقوم بغيره ، فإن نور المصباح قام بالفتيلة منبسطا على السقوف والجدران ، وليس ذلك هو نور الرب تعالى الذي هو نور ذاته ووجهه الأعلى ، بل ذلك هو المضاف إليه حقيقة ، كما أن نور الشمس والقمر والمصابيح مضاف إليها حقيقة. قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (يونس : ٥٠) وقال تعالى : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (الفرقان : ٦١) وقال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (الأنعام : ١) فهذا نور مخلوق قائم بجرم مخلوق لا يسمى به الرب تعالى ولا يوصف به ، ولا يضاف إليه إلا على جهة أنه مخلوق له مجهول لا على أنه وصف له قائم به فالتسوية بين هذا وبين نور وجهه الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة واستعاذ به العائذون من أبطل الباطل.
الوجه الثالث عشر : إن مثبتي الصفات كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأبي الحسن الأشعري وأئمة أتباعهما لم يذكروا الخلاف في ذلك إلا عن المعتزلة فإنكار كونه نورا هو قول المبتدعة قال ابن فورك في كتابه الذي سماه «مقالات