أي ما يبدهك من وجهه ومنظره ونوره وبهائه ، وأخذه الصرصري فقال :
لو لم يقل إني رسول أما |
|
شاهده في وجهه ينطق |
فإذا كان هذا نور عبده فكيف بنوره سبحانه ، والرب تعالى هو الخالق للنور والظلمة كما استفتح سبحانه سورة الأنعام بقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام : ١) فاستفتح السورة بإبطال قول أهل الشرك أجمعين ، من الثنوية المجوس القائلين بأن للعالم نورين : نور وظلمة. فأخبر أنه وحده رب النور والظلمة ، وخالقهما كما أنه وحده خالق السموات والأرض ، والله تعالى جعل الموجودات عاليا وسافلا ومتوسطا بينهما ، وجعل لسافلها الظلمة وهي مسكن أهل الظلمات من خلقه ، وجعل لعاليها النور ، وهو مسكن أهل النور منهم ، وجعل هذه الأرض وما فوقها إلى العلو متوسطا بينهما ، فكلما كان أقرب إلى العرش والكرسي كان أعظم نورا ، ولهذا كان فضل نور العرش والكرسي على ما تحته كفضل نور الشمس والقمر على أخفى الكواكب ، وكلما كان أقرب إلى إلى السفلي المطلق كان أشد ظلمة ، ولهذا لما كان محبس أهل الظلمات سجين كانت سوداء مظلمة لا نور فيها بوجه ، فكلما كان أقرب إلى الرب تعالى كان أعظم نورا ظاهرا وباطنا ، وكلما بعد عنه كان أشد ظلمة بحسب بعده عنه.
وذكر الإمام أحمد في كتاب «الزهد» أن موسى أقام أياما لا يحدث بني إسرائيل إلا متبرقعا من النور الذي غشي وجهه حين كلمه ربه ، فلم يكن أحد ينظر إليه. فنسبة الأنوار كلها إلى نور الرب كنسبة العلوم إلى علمه ، والقوى إلى قوته ، والغنى إلى غناه ، والعزة إلى عزته ، وكذلك باقي الصفات والعبد إذا سما بصره صعودا إلى نور الشمس غشى دون إدراكه وتعذر عليه غاية التعذر ، وأي نسبة لنور الشمس إلى نور خالقها ومبدعها ، وإذا كان نور البرق يكاد يلتمع البصر ويخطفه ولا يقدر العبد على إدراكه ، فكيف بنور الحجاب فكيف بما فوقه ، والأمر أعظم من أن يصفه واصف أو يتصوره عاقل ، فتبارك الله رب