الأنبياء يوم القيامة وأممهم لكل نبي نوران ، ولكل واحد من أتباعهم نور ، وتجيء هذه الأمة لكل منهم نوران ولنبيهم صلىاللهعليهوسلم في كل شعرة نور ، ولما كانت مادة الملائكة التي خلقوا منها نورا كانوا بالمحل الذي أحلهم الله به ، وكانوا خيرا محضا ، وللنور ظاهر وباطن ، فمتى حل ظاهره بجسم كساه من الجمال والجلال والمهابة والضياء ، والحسن والبهجة والسناء بحسب ما كسى من النور وزالت عنه الوحشة والثقل ، وكان مفرحا لرائيه سارا لناظريه ، وإذا حل باطنه بالباطن اكتسى من الخير والعلم ، والرحمة والهداية والعفو والجود ، والصبر والحلم ، والتواضع والنصيحة بحسب ذلك النور ، فالنور في الحقيقة (هو) كمال العبد في الظاهر والباطن.
ولما كان ليوسف الصديق من هذا النور النصيب الوافر ظهر في جماله الظاهر والباطن فكان على الصفة التي ذكرها الله في كتابه ، وكذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما كان نصيبه من هذا النور أكمل نصيب كان أجمل الخلق ظاهرا وباطنا ، فكان وجهه يتلألأ تلألأ القمر ليلة البدر ، وكان كلامه كله نورا ومدخله ومخرجه نورا ، فإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين ثناياه فكان أكمل الخلق في نور الظاهر والباطن ، وكان نوره من أكبر آيات نبوته.
وقال عبد الله بن سلام : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة انجفل الناس إليه فجئت حتى رأيته ، فلما وقع بصري عليه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول ما سمعته يقول : «يا أيها الناس أفشوا السلام ، وصلوا الأرحام واطعموا الطعام ، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» (١) فاستدل على نبوته بنور وجهه ونور كلامه بنوره المرئي ونوره المسموع ، كما قال حسان بن ثابت.
لو لم تكن فيه آيات مبينة |
|
كانت بداهته تأتيك بالخبر |
__________________
(١) [صحيح] رواه أحمد (٥ / ٤٥١) ، والترمذي (٢٤٨٥) وقال : هذا حديث صحيح ا ه ، ورواه ابن ماجه (١٣٣٤) ، وصححه الألباني.