الآية فهو يتقلب في خمسة من الظلم : فكلامه ظلمة. ومدخله ظلمة. ومخرجه ظلمة. ومصيره إلى الظلمات إلى النار.
فهذا التفسير المعروف عن أبي لا ما ذكره.
وأما قوله يصح أن يكون النور صفة فعل على معنى أنه ظاهر ، فما أبعده عن الصواب وكونه ظاهر ليس بصفة فعل ، فإنه الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، وتلك صفات ذاته المقدسة لا أنها أفعال.
قال الأشعري في «الإبانة» ، قال الله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) (النور : ٣٥) فسمي نفسه نورا ، والنور عند الأمة لا يخلو من أحد معنيين : إما أن يكون نورا يسمع أو نورا يرى ، فمن زعم أن الله يسمع ولا يرى كان مخطئا في نفيه رؤية ربه وتكذيبه بكتابه عزوجل وقول نبيه صلىاللهعليهوسلم هذا لفظه.
وقال القاضي أبو يعلى : فأما قوله في حديث جابر : «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور من فوق رءوسهم ، فإذا الرب قد أشرق عليهم من فوقهم قال السلام عليكم يا أهل الجنة. قال فذلك قوله تعالى» (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) «قال : فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه» (١) ، قال : فلا يمتنع حمله على ظاهره وأنه نور ذاته ، لأنه إذا جاز أن تظهر لهم ذاته فيرونها ، جاز أن يظهر لهم نورها فيرونه ، لأن النور من صفات ذاته ، وهو قوله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) وذكر في موضع آخر قولين في ذلك ، ورجح هذا القول ، قال : وهو أشبه بكلام أحمد.
الوجه الرابع عشر : إن النور صفة الكمال ، وضده صفة نقص ، ولهذا سمى الله نفسه نورا ، وسمى كتابه نورا وجعل لأوليائه النور ، ولأعدائه الظلمة فقال : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) (البقرة : ٢٥٧) ويجيء
__________________
(١) تقدم تخريجه وهو ضعيف.