الخامس : إن العهد والفطر والعقول والشرائع وجميع كتب الله المنزلة على خلاف ذلك وأنه سبحانه فوق العالم بذاته فالخطاب بفوقيته ينصرف إلى ما استقر في الفطر والعقول والكتب السماوية.
السادس : إن هذا المجاز لو صرح به في حق الله كان قبيحا ، فإن ذلك إنما يقال في المتقاربين في المنزلة وأحدها أفضل من الآخر ، وإما إذا لم يتقاربا بوجه فإنه لا يصح فيهما ذلك ، وإذا كان يقبح كل القبح أن تقول الجوهر فوق قشر البصل ، وإذا قلت ذلك ضحكت منك العقلاء للتفاوت العظيم الذي بينهما فالتفاوت الذي بين الخالق والمخلوق أعظم وأعظم ، وفي مثل هذا قيل شعرا.
ألم تر أن السيف ينقص قدره |
|
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا |
السابع : إن الرب سبحانه لم يمتدح في كتابه ولا على لسان رسوله بأنه أفضل من العرش وأن رتبته فوق رتبة العرش ، وأنه خير من السموات والعرش والكرسى ، وحيث ورد ذلك في الكتاب ، فإنما هو في السياق الرد على من عبد معه غيره ، وأشرك في إلهيته ، فبين سبحانه أنه خير من تلك الآلهة كقوله : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (النمل : ٥٩) وقوله : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف : ٣٩) وقول السحرة : (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (طه : ٧٣) ولكن أين في القرآن مدحه نفسه وثناؤه على نفسه بأنه أفضل من السموات والعرش والكرسي ابتداء ، ولا يصح إلحاق هذا بذلك ، إذ يحسن في الاحتجاج على المنكر وإلزامه من الخطاب الداحض لحجته ما لا يحسن في سياق غيره ، ولا ينكر هذا إلا غبي.
الثامن : إن هذا المجاز وإن احتمل في قوله : (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) (الأعراف : ١٢٧) فذلك لأنه قد علم أنهم جميعا مستقرون على الأرض ، فهي فوقية قهر وغلبة ، لم يلزم مثله في قوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) إذ قد علم بالضرورة أنه عباده ليسوا مستويين في مكان واحد حتى تكون فوقية قهر وغلبة.