فجعل كمال الظهور موجبا لكمال الفوقية ، ولا ريب أنه ظاهر بذاته فوق كل شيء. والظهور هنا العلو ومنه قوله : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) (الكهف : ٩٧) أي يعلوه ، وقرر هذا المعنى بقوله «فليس فوقك شيء» أي أنت فوق الأشياء كلها ليس اللفظ معنى غير ذلك ، ولا يصح أن يحمل الظهور على الغلبة لأنه قابله بقوله : وأنت الباطن.
فهذه الأسماء الأربعة متقابلة : اسمان لأزل الرب تعالى وأبده ، واسمان لعلوه وقربه. وروى أبو داود بإسناد حسن عنده عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال «أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعرابي فقال : يا رسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت المواشي فاستسق لنا ربك فإنا نستشفع بالله عليك ، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ، قال : «ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك ، ويحك أتدري ما الله؟ إن الله فوق عرشه ، وعرشه فوق سماواته وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب» (١).
فتأمل هذا السياق هل يحتمل غير الحقيقة بوجه من الوجوه ، وقول النبي صلىاللهعليهوسلم سعد بن معاذ رضى الله عنه «لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سماوات» (٢) وقول زينت رضى الله عنها زوج النبي صلىاللهعليهوسلم «زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات» (٣) لا يصح فيه فوقية المجاز أصلا إذ يصير المعنى : زوجني الله حال كونه أفضل من سبع سماوات.
وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مر بعجوز فاستوقفته فوقف
__________________
(١) [ضعيف] رواه أبو داود (٤٧٢٦) وضعفه الألباني في «ضعيف أبي داود» وفي «ظلال الجنة» (٥٧٥).
(٢) رواه البخاري (٣٠٤٣ ، ٣٨٠٤ ، ٤١٢١) ، ومسلم (١٧٦٨ ، ١٧٦٩).
(٣) رواه البخاري (٧٤٢٠).