لم ينكر عليه ذلك ، بل ضحك حتى بدت نواجذه ، ومعلوم قطعا أن ابن رواحة لم يرد بقوله «فوق العرش رب العالمينا» إنه أفضل من العرش وخير منه ، وهو كان أعلم بالله وصفاته وكماله من أن يقول ذلك ، إنما أراد فوقية الذات التي هي حقيقة اللفظ وليس فيه ما يعين المجاز بوجه من الوجوه ، فكيف يجوز إطلاق الحقيقة الباطلة عند الجهمية ويقره الرسول عليها ، ولا ينكر ذلك عليه.
الثاني عشر : ما رويناه بالإسناد صحيح عن ثابت عن حبيب بن أبي ثابت أن حسان بن ثابت أنشد النبي صلىاللهعليهوسلم :
شهدت بإذن الله أن محمدا |
|
رسول الذي فوق السموات من عل |
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما |
|
له عمل من ربه متقبل |
وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم |
|
يقوم بذات الله فيهم ويعدل |
فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «وأنا أشهد» (١) وقوله بإذن الله ، أي بأمره ومرضاته ، فهل شهد حسان وشهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم على شهادته إلا على فوقية ذاته؟ وهل أراد أنه رسول الذي خير من السموات وأفضل منها.
الثالث عشر : ما في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش أن رحمتى سبقت غضبي» (٢) وفي لفظ : فهو عنده موضوع على العرش. فتأمل قوله فهو عنده فوق العرش هل يصح حمل الفوقية على المجاز ، وفوقية الرتبة والفضلية بوجه من الوجوه.
وفي «صحيح مسلم» عن النبي صلىاللهعليهوسلم في تفسير قوله : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) والظاهر والباطن بقوله «أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء» (٣)
__________________
(١) رواه ابن سعد في «الطبقات» ولكن بسند فيه انقطاع.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه مسلم (٢٧١٣).