محذورا ، ولا يخالف كتابا ولا سنة ولا إجماعا ، فنفي حقيقتها عين الباطل ، فكيف إذا كان لا يمكن الإقرار بوجود الصانع وتصديق رسله والإيمان بكتابه وبما جاء به رسوله صلىاللهعليهوسلم إلا بذلك ، فكيف إذا شهدت بذلك العقول السليمة والفطر المستقيمة ، وحكمت به القضايا البديهيات والمقدمات اليقينيات ، فلو لم يقبل العلو والفوقية لكان كل عال على غيره أكمل منه ، فإن ما يقبل العلو أكمل مما لا يقبله.
الوجه السادس عشر : إنه لو كانت فوقيته سبحانه مجازا لا حقيقة لها لم يتصرف في أنواعها وأقسامها ولوازمها ، ولم يتوسع فيها غاية التوسع ، فإن فوقية الرتبة والفضيلة لا يتصرف في تنويعها إلا بما شاكل معناها ، نحو قولنا : هذا خير من هذا وأفضل وأجل وأعلى قيمة ونحو ذلك. وأما فوقية الذات فإنها تتنوع بحسب معناها ، فيقال فيها استوى وعلا وارتفع ، وصعد ويعرج إليه كذا ويصعد إليه وينزل من عنده ، وهو عال على كذا ورفيع الدرجات ، وترفع إليه الأيدي ، ويجلس على كرسيه ، وإنه يطلع على عباده من فوق سبع سماواته وأن عباده يخافونه من فوقهم ، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا وأنه يبرم القضاء من فوق عرشه ، وأنه دنا من رسوله وعبده لما عرج به إلى فوق السموات حتى صار قاب قوسين أو أدنى ، وأن عباده المؤمنين إذا نظروا إليه في الجنة رفعوا رءوسهم. فهذه لوازم الأنواع كلها ، وأنواع فوقية الذات ولوازمها ، لا أنواع فوقية الفضيلة والمرتبة ، فتأمل هذا الوجه حق التأمل تعلم أن القوم أفسدوا اللغة والفطرة والعقل والشرع.
الوجه السابع عشر : إنه لو كانت فوقية الرب. تبارك وتعالى مجازا لا حقيقة لها لكان صدق نفيها أصح من صدق إطلاقها ، ألا ترى أن صحة نفي اسم الأسد عن الرجل الشجاع واسم البحر عن الجواد ، واسم الجبل عن الرجل الثابت ونحو ذلك ، أظهر وأصدق من إطلاق تلك الأسماء ، فلو كانت فوقيته واستواؤه وكلامه وسمعه وبصره ، ووجهه ومحبته ، ورضاه وغضبه مجازا لكن إطلاق القول بأنه ليس فوق العرش ولا استوى عليه ، ولا هو العلي ولا