فيه مخلوقا منفصلا ، بل هو صفة قائمة به سبحانه.
إذا عرف هذا فهكذا حكم المجرور بمن ، فقوله ، (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثية : ١٣) لا يقتضي أن تكون أوصافا له قائمة به وقوله (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) (السجدة : ١٣) وقوله : (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت : ٤٢) يقتضي أن يكون وهو المتكلم به ، وأنه منه بدأ وإليه يعود ، وضلت المعتزلة ولم يهتدوا إلى هذان الفرقان وجعلوا الجميع بابا واحدا ، وقابلهم طائفة الاتحادية ، وجعلوا الجميع منه بعض التبعيض والجزئية ، ولم يهتد الطائفتان للفرق.
الوجه التاسع : إن الله سبحانه قال : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد : ٢٥) فالكتاب كلامه والميزان عدله أخبر أنه أنزلهما مع رسله ، ثم قال : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) (الحديد : ٢٥) ولم يقل وأنزلنا معهم الحديد ، فلما ذكر كلامه وعدله أخبر أنه أنزلهما مع رسله ، ولما ذكر مخلوقه الناصر لكتابه وعدله أطلق إنزاله ولم يقيده بما قيد به إنزال كلامه ، فالمسوي بين الإنزالين مخطئ في اللفظ والمعنى.
الوجه العاشر : إن نزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا قد تواترت الأخبار به عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رواه عنه نحو ثمانية وعشرون نفسا من الصحابة ، وهذا يدل على أنه كان يبلّغه في كل مواطن ومجمع ، فكيف تكون حقيقته محالا وباطلا وهو صلىاللهعليهوسلم يتكلم بها دائما ويعيدها ويبديها مرة بعد مرة ، ولا يقرن باللفظ ما يدل على مجازه بوجه ما بل يأتى بما يدل على إرادة الحقيقة ، كقوله : «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : وعزتي وجلالي لا أسأل عن عبادي غيري» وقوله : «من ذا الذي يسألني فأعطيه ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له» وقوله : «فيكون كذلك حتى يطلع الفجر ثم يعلو على كرسيه» (١) فهذا كله بيان الإرادة
__________________
(١) [صحيح] رواه ابن أبي شيبة في «العرش» وإسناده صحيح ، ورواه ابن أبي عاصم في «السنة» (٥٠٠ ، ٥٠١) ، وقال الألباني في «ظلال الجنة» إسناده جيد.