الْأَنْعامِ أَزْواجاً) (الشورى : ١١) هل المراد جعل لكم من جنسكم أزواجا أو المراد جعل أزواجكم من أنفسكم وذواتكم ، كما جعلت حواء من نفس آدم وكذلك تكون أزواج الأنعام مخلوقة من ذوات الذكور. والأول أظهر لأنه لم يوجد الزوج من نفس الذكر إلا من آدم وحده ، وأما سائر النوع فالزوج مأخوذ من الذكر والأنثى.
الوجه الثامن : إن الله سبحانه ذكر الإنزال على ثلاث درجات (أحدها) إنزال مطلق كقوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) فأطلق الإنزال ولم يذكر مبدأه ، كقوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ).
(الثانية) الإنزال من السماء ، كقوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (الفرقان : ٤٨).
(الثالثة) إنزال منه ، كقوله (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الزمر : ١) وقوله : (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت : ٤٢) وقوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الأحقاف : ٢) وقوله : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) (النحل : ١٠٢) وقال : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) (الأنعام : ١١٤) فأخبر أن القرآن منزل منه ، والمطر منزل من السماء ، والحديد والأنعام منزلان نزولا مطلقا ، وبهذا يظهر تلبيس المعطلة والجهمية والمعتزلة حيث قالوا إن كون القرآن منزلا لا يمنع أن يكون مخلوقا كالماء والحديد والأنعام ، حتى علا بعضهم فاحتج على كونه مخلوقا بكونه منزلا. والإنزال بمعنى الخلق.
فالله سبحانه فرق بين النزول منه ، والنزول من السماء ، فجعل القرآن منزلا منه والمطر منزلا من السماء ، وحكم المجرور بمن في هذا الباب حكم المضاف ، والمضاف إليه سبحانه نوعان (أحدهما) أعيان قائمة بنفسها ، كبيت الله وناقة الله وروح الله وعبده ، فهذا إضافة مخلوق إلى خالقه ، وهي إضافة اختصاص وتشريف (الثاني) إضافة صفة إلى موصوفها كسمعه وبصره وعلمه وحياته وقدرته وكلامه ووجهه ويديه ومشيئته ورضاه وغضبه فهذا يمتنع أن يكون المضاف