بين النصوص وبين أصول النفاة ، وهيهات لك بالتوفيق بين النقيضين والجمع بين الضدين. يوضحه :
إن الأوهام الباطلة والعقول الفاسدة لما فهمت من نزول الرب ومجيئه وإتيانه وهبوطه ودنوه ما يفهم من مجيء المخلوق وإتيانه وهبوطه ودنوه وهو أن يفرغ مكانا ويشغل مكانا نفت حقيقة ذلك فوقعت في محذورين : محذور التشبيه ومحذور التعطيل ، ولو علمت هذه العقول الضعيفة أن نزوله سبحانه ومجيئه وإتيانه لا يشبه نزول المخلوق وإتيانه ومجيئه ، كما أن سمعه وبصره وعلمه وحياته كذلك ، بل يده الكريمة ووجهه الكريم كذلك ، وإذا كان نزولا ليس كمثله نزول ، فكيف تنفي حقيقته ، فإن لم تنف المعطلة حقيقة ذاته وصفاته وأفعاله بالكلية وإلا تناقضوا ، فإنهم أي معنى أثبتوه لزمهم في نفيه ما ألزموا به أهل السنة المثبتين لله ما أثبت لنفسه ، ولا يجدون إلى الفرق سبيلا.
فلو كان الرب سبحانه مماثلا لخلقه لزم من نزوله خصائص نزولهم ضرورة ثبوت أحد المثلين للآخر ، وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأنصاب والأصنام إلا تساقطوا في النار ، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وأتاهم رب العالمين ، قال فما ذا تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد ، قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ، ولم نصاحبهم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي : ليلحق كل أمة بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا ، فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول أنا ربكم ، فيقولون نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه ، قال فيأتيهم في صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول أنه ربكم ، فيقولون أنت ربنا وفي لفظ فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها فيقولون الساق ، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة ، ويذهب كما يسجد فيعود ظهره طبقا» (١).
__________________
(١) رواه البخاري (٤٩١٩ ، ٧٤٣٧).