الخلق لا يناقض بطونه بالمعنى الذي فسره به أيضا ، فهو سبحانه يدنو ويقرب ممن يريد الدنو والقرب منه مع كونه فوق عرشه ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» (١) فهذا قرب الساجد من ربه وهو فوق عرشه.
وكذلك قوله في الحديث الصحيح «إن الذي تدعونه سميع قريب ، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (٢) فهذا قربه من داعيه ، والأول قربه من عابديه ، ولم يناقض ذلك كونه فوق سماواته على عرشه.
وإن عسر على فهمك اجتماع الأمرين فإنه يوضح ذلك معرفة إحاطة الرب وسعته ، وأنه أكبر من كل شيء ، وأن السموات السبع والأرضين في يده كخردلة في كف العبد ، وأنه يقبض سماواته السبع بيده والأرضين باليد الأخرى ثم يهزهن ، فمن هذا شأنه كيف يعسر عليه الدنو ممن يريد الدنو منه وهو على عرشه ، وهو يوجب لك فهم اسمه الظاهر والباطن ، وتعلم أن التفسير الذي فسر رسول الله صلىاللهعليهوسلم به هذين الاسمين هو تفسير الحق المطابق لكونه بكل شيء محيط ، وكونه فوق كل شيء.
ومما يوضح لك ذلك أن النزول والمجيء والإتيان ، والاستواء ، والصعود والارتفاع كلها أنواع أفعال ، وهو الفعال لما يريد ، وأفعاله كصفاته قائمة به ، ولو لا ذلك لم يكن فعالا ولا موصوفا بصفات كماله ، فنزوله ومجيئه واستوائه وارتفاعه وصعوده ونحو ذلك ، كلها أفعال من أفعاله ، التي إن كانت مجازا فأفعاله كلها مجاز ولا فعل له في الحقيقة ، بل هو بمنزلة الجمادات وهذا حقيقة من عطل أفعاله ، وإن كان فاعلا حقيقة فأفعاله نوعان : لازمة ومتعدية ، كما دلت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على النوعين.
وبإثبات أفعاله وقيامها به تزول عنك جميع الإشكالات ، وتصدق النصوص بعضها بعضا وتعلم مطابقتها للعقل الصريح ، وإن أنكرت حقيقة الأفعال وقيامها به سبحانه اضطرب عليك هذا الباب أعظم اضطراب ، وبقيت حائرا في التوفيق
__________________
(١) رواه مسلم (٤٨٢).
(٢) رواه مسلم (الذكر والدعاء : ٤ / ٤٦).