ومن عوائد الملوك ، ولله المثل الأعلى ، أنهم إذا أرادوا القدوم إلى بلد أو مكان غير مكانهم المعروف بهم أن يقدموا بين يدي موافاتهم إليه ما ينبغي تقديمه ، وهذا من تمام مصالح ملكهم ، وهكذا شأن الرب تبارك وتعالى أن يقدم بين يدي ما يريد فعله من الأمور العظام كتابة ذلك أو إعلام ملائكته أو إعلام رسله ، كما قال : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة : ٣٠) وقوله لنوح : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود : ٣٧) ، المؤمنون : ٢٧) وقال لإبراهيم : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود : ٧٦).
وإذا كان الله تعالى يتقدم إلى ملائكته ورسله بإعلامهم بما يريد فعله من الأمر العظام فلا ينكر أن يتقدم إلى أهل سماواته بنزوله ويحدث للسماوات وللملائكة من عظمة ذلك الأمر قبل وقوعه ما يناسب ذلك الأمر ، وهكذا يفعل سبحانه إذا جاء يوم القيامة ، فتتأثر السموات والملائكة قبل النزول فسمى ذلك نزولا لأنه من مقدماته ومتصلا به ، كما أطلق سبحانه على وقت الزلزلة والرجفة المتصلة بالساعة أنها يوم القيامة والساعة ، وذلك موجود في القرآن ، فمقدمات الشيء ومباديه كثيرا ما يدخل في مسمى اسمه ، وهذا الوجه أقوى الوجوه.
وذكر عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله ينزل إلى سماء الدنيا ، له في كل سماء كرسي ، فإذا نزل إلى السماء الدنيا جلس على كرسيه ثم مد ساعديه فيقول : من ذا الذي يقرض غير عادم ولا ظلوم ، من ذا الذي يستغفر فأغفر له ، من ذا الذي يتوب فأتوب عليه ، فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه» (١) رواه أبو عبد الله بن منده ، قال ابن منده : وله أصل مرسل.
__________________
الجنة» إسناده ضعيف لإرساله ثم قال : والحديث بهذا السياق منكر ، فيه زيادات منكرة لم ترد في شيء من طرق الحديث ، فإن لم يكن الوهم من ابن أخى الزهرى ، فالعلة الإرسال ا ه.
(١) إسناده جيد رجاله ثقات.