وقالت طائفة منهم : لا ينزل بذاته. وقالت فرقة أخرى : نقول ينزل ولا نقول بذاته ولا بغير ذاته ، بل نطلق اللفظ كما أطلقه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونسكت عما سكت عنه.
واختلفوا أيضا هل يخلو العرش منه؟ فقالت طائفة ينزل ويخلو منه العرش. وقالت طائفة لا يخلو من العرش ، قال القاضي أبو يعلى في كتاب «الوجهين والروايتين» : لا يختلف أصحابنا أن الله ينزل إلى سماء الدنيا في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر ، كما أخبر به نبيه صلىاللهعليهوسلم ، ثم ساق حديث أبي هريرة وابن مسعود وعبادة بن الصامت ثم قال : واختلفوا في صفته ، فذهب شيخنا أبو عبد الله إلى أنه نزول انتقال. قال : لأن هذا حقيقة النزول عند العرب. وهو نظير قوله في الاستواء بمعنى قعد : وهذا على ظاهر حديث عبادة بن الصامت.
قلت : يريد قوله ثم يعلو تبارك وتعالى على كرسيه ، قال : لأن أكثر ما في هذا أنه من صفات الحدث في حقنا. وهذا لا يوجب كونه في حقه محدثا كالاستواء على العرش هو موصوف به مع اختلافنا في صفته ، وإن كان هذا الاستواء لم يكن موصوفا به في القدم ، وكذلك نقول تكلم بحرف وصوت وإن كان هذا يوجب الحدث في حقنا ولم يوجبه في حقه ، وكذلك النزول.
قال : وحكى شيخنا عن طائفة من أصحابنا أنهم قالوا : ينزل ، معناه قدرته ولعل هذا القائل ذاهب إلي ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل أنه قال يوم احتجوا على : يومئذ تجيء البقرة يوم القيامة ويجيء تبارك وتعالى. قلت لهم : هذا الثواب. قال الله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر : ٢٢) إنما يأتي قدرته ، وإنما القرآن أمثال ومواعظ وزجر.
وذكر أحمد أيضا فيما خرجه في الحبس : كلام الله لا يجيء ولا يتغير من حال إلى حال ووجه هذا أن النزول هو الزوال والانتقال : ولهذا قلنا في الاستواء إنه لا بمعنى المماسة والمباينة لأن ذلك من صفات الحدث والانتقال وهذا من صفات الحدث.