قال : وحكى شيخنا عن طائفة أخرى من أصحابنا أنهم قالوا نثبت نزولا ولا نعقل معناه : هل هو بزوال أو بغير زوال كما جاء الخبر ، ومثل هذا ليس بممتنع في صفاته ، كما نثبت ذاتا لا تعقل ، قال وهذه الطريقة هي المذهب ، قد نص عليها أحمد في مواضع ، فقال حنبل : قلت لأبي عبد الله : ينزل الله إلى سماء الدنيا؟ قال نعم. قلت نزوله بعلمه أم ما ذا؟ فقال لي اسكت عن هذا وغضب غضبا شديدا ، وقال امض الحديث على ما روي.
قلت : أما قول ابن حامد إنه نزول انتقال فهو موافق لقول من يقول يخلو منه العرش ، والذي حمله على هذا إثبات النزول حقيقة وأن حقيقته لا تثبت إلا بالانتقال ورأى أنه ليس في العقل ولا في النقل ما يحيل الانتقال عليه ، فإنه كالمجيء والإتيان والذهاب والهبوط ، هذه أنواع الفعل اللازم القائم به. كما أن الخلق والرزق والإماتة والإحياء والقبض والبسط أنواع للفعل المتعدي ، وهو سبحانه موصوف بالنوعين وقد يجمعهما كقوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف : ٥٤) والانتقال جنس لأنواع المجيء والإتيان ، والنزول والهبوط ، الصعود والدنو والتدلي ونحوها ، وإثبات النوع مع نفي جنسه جمع بين النقيضين.
قالوا : وليس في القول بلازم النزول والمجيء والإتيان والاستواء والصعود محذور البتة ، ولا يستلزم ذلك نقصا ولا سلب كمال ، بل هو الكمال نفسه ، وهذه الأفعال كمال ومدح ، فهي حق دل عليه النقل ، ولازم الحق حق كما أن العقل والنقل قد اتفقا على أنه سبحانه حي متكلم قدير عليم مريد ، وما لزم من ذلك تعين القول به ، فإنه لازم الحق ، وكذلك رؤيته تعالى بالأبصار عيانا في الآخرة هو حق ، فلازمه حق كائنا ما كان. والعجب أن هؤلاء يدعون أنهم أرباب المعقولات ، وهم يجمعون بين إثبات الشيء ونفي لازمه ، ويصرحون بإثباته ، ويثبتون لوازمه باثباته ، ويصرحون بنفيه ، ولهذا عقلاؤهم لا يسمحون بإثبات شيء من ذلك ، فلا يثبتون لله نزولا ولا مجيئا ، ولا إتيانا ولا دنوا ،