النبي صلىاللهعليهوسلم «إن ربكم ليس بأعور» (١) صريح بأنه ليس المراد إثبات عين واحدة فإن ذلك عور ظاهر تعالى الله عنه ، وهل يفهم من قول الداعى «اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام» أنها عين واحدة ليس إلا ـ إلا ذهن أقلف وقلب أغلف.
قال ابن تميم : حدثنا عبد الجبار بن كثير قال : قيل لإبراهيم بن أدهم : هذا السبع ؛ فنادى : يا قسورة ، إن كنت أمرت فينا بشيء ، وإلا بعيني فاذهب ، فضرب بذنبه ، وولى مدبرا ، فنظر إبراهيم إلى أصحابه وقال : قولوا اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام. واكنفنا بكنفك الّذي لا يرام ، وارحمنا بقدرتك علينا ، لا نهلك وأنت الرجاء. وقال عثمان الدارمي : الأعور ضد البصير بالعينين.
وقد استدل السلف على إثبات العينين له تعالى بقوله : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (القمر : ١٤) وممن صرح بذلك إثباتا واستدلالا أبو الحسن الأشعري في كتبه كلها فقال في كتاب «المقالات» و «الإبانة» و «الموجز» وهذا لفظه فيها :
وأن له عينين بلا كيف كما قال : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) فهذا الأشعرى وغيره لم يفهموا من الأعين أعينا كثيرة ، ولا من الأيدي أيادي كثيرة على شق واحد.
ولما رد أهل السنة تأويل الجاهلين لم يقدر الجهمية على أخذ الثأر منهم إلا بأن سموهم مشبهة ، ممثلة ، مجسمة ، حشوية ، ولو كان لهؤلاء عقول لعلموا أن التلقيب بهذه الألقاب ليس لهم ، وإنما هو لمن جاء بهذه النصوص وتكلم بها ، ودعا الأمة إلى الإيمان بها ، ونهاهم عن تحريفها وتبديلها ، ولو كان خصومكم كما زعمتم وحاشاهم مشبهة ممثلة مجسمة لكانوا أقل تنقصا لرب العالمين منكم وكتابه وأسمائه وصفاته بكثير ، لو كان قولهم يقتضي التنقيص فكيف وهو لا يقتضيه لو صرحوا به؟ فإنهم يقولون : نحن أثبتنا لله غاية الكمال ونعوت الجلال ؛ ووصفناه بكل صفة كمال ، فإن لزم من هذا تجسيم وتشبيه لم يكن هذا
__________________
(١) أخرجه البخاري (٧١٣١ ، ٧٤٠٨) فى ذكر الدجال من حديث أبي هريرة يرفعه بلفظ : «ما بعث نبى إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ، ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ، وإن بين عينيه مكتوب : «كافر» ، ورواه مسلم في (الفتن / ٢٢٤٨ ، ٢٩٣٣).