نقصا ولا عيبا بوجه من الوجوه فإن لازم الحق حق ، وما لزم من إثبات كمال الرب ليس بنقص.
وأما أنتم فنفيتم عنه صفات الكمال. ولا ريب أن لازم هذا النفي وصفه بأضدادها من العيوب والنقائص. فما سوى الله ولا رسوله ولا عقلاء عباده بين من نفى كماله المقدس حذرا من التجسيم ، وبين من أثبت كماله الأعظم وصفاته العلى بلوازم ذلك ، كائنة ما كانت.
فلو فرضنا في هذه الأمة من يقول : له سمع كسمع المخلوق وبصر كبصره ويد كيده ، لكان أدنى إلى الحق ممن يقول لا سمع ولا بصر ولا يد ولو فرضنا قائلا يقول : إنه متحيز على عرشه ، تحيط به الحدود والجهات ، لكن أقرب إلى الصواب من قول من يقول : ليس فوق العرش إله يعبد ، ولا ترفع إليه الأيدى ، ولا يصعد إليه شيء ، ولا هو فوق خلقه ، ولا محايثهم ، ولا مباينهم. فإن هذا معطل مكذب لله ، راد على الله ورسوله ، وذلك المشبه غالط مخطئ في فهمه. فالمشبه على زعمكم الكاذب لم يشبهه تنقيصا له وجحدا لكماله ، بل ظنا أن إثبات الكمال لا يمكن إلا بذلك ، فقابلتموه بتعطيل كماله ، وذلك غاية التنقيص.
(العاشر) أن لغة العرب متنوعة في إفراد المضاف وتثنيته وجمعه بحسب أحوال المضاف إليه ، فإن أضافوا الواحد المتصل إلى مفرد أفردوه ، وإن أضافوا إلى اسم جمع ظاهرا أو مضمرا جمعوه. وإن أضافوا إلى اسم مثنى فالأفصح في لغتهم جمعه كقوله : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) (التحريم : ٢٤) وإنما هما قلبان. وكقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (المائدة : ٣٨) وتقول العرب : اضرب أعناقها ، وهذا أفصح استعمالهم ، وتارة يفردون المضاف فيقولون : لسانهما وقلبهما ، وتارة يثنون كقوله صلىاللهعليهوسلم «ظهراهما مثل ظهور الترسين» (١) القرآن إنما نزل بلغة العرب لا بلغة العجم والطماطم والأنباط (٢) الذين أفسدوا الدين وتلاعبوا بالنصوص فجعلوها عرضة لتأويل الجاهلين.
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٠١٣) ، ومسلم في (الاستسقاء / ٨٩٧).
(٢) الأنباط : شعب سامىّ كانت له دولة في شمالى شبه الجزيرة العربية ، وعاصمتهم