وإذا كان من لغتهم وضع الجمع موضع التثنية لئلا يجمعوا في لفظ واحد بين تثنيتين ، فلأن يوضع الجمع موضع التثنية فيما إذا كان المضاف إليه تثنية أولى بالجواز. يدل عليه أنك لا تكاد تجد في كلامهم : عينان ويدان ونحو ذلك ، ولا يلتبس على السامع قول المتكلم : نراك بأعيننا ونأخذك بأيدينا. ولا يفهم منه بشر على وجه الأرض عيونا كثيرة على وجه واحد.
(الحادي عشر) أن لفظ اليد جاء في القرآن على ثلاثة أنواع : مفردا ، ومثنى ، ومجموعا.
فالمفرد كقوله : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك : ١] والمثنى كقوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] ، والمجموع (عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] فحيث ذكر اليد مثناة أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد وعدى الفعل بالباء إليها فقال : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) وحيث ذكرها مجموعة أضاف العمل إليها ولم يعد الفعل بالباء. فهذه ثلاثة فروق ؛ فلا يحتمل (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) من المجاز ما يحتمله (عَمِلَتْ أَيْدِينا) فإن كل أحد يفهم من قوله : (عَمِلَتْ أَيْدِينا) ما يفهمه من قوله : عملنا وخلقنا ، كما يفهم ذلك من قوله : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] وأما قوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى ، فكيف وقد دخلت عليها الباء؟ فكيف إذا ثنيت؟
وسر الفرق أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد المراد الإضافة إليه كقوله : (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) (الحج : ٧١) ، (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ، وأما إذا أضيف إليه الفعل ثم عدى بالباء إلى يده مفردة أو مثناة فهو مما باشرته يده. ولهذا قال عبد الله بن عمرو «إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا : خلق آدم بيده ، وغرس جنة الفردوس بيده ، وكتب التوراة بيده» ، فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك ؛ ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على كل شيء مما خلق بالقدر.
__________________
«سلع» وتعرف اليوم بالبتراء (الوجيز) ، والرجل الطمطم وهو الّذي في لسانه عجمة لا يفصح.