صوتك وأحس وجسك ، ولا أرى مكانك ، فأين أنت؟ قال أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك ، فلما سمع موسى هذا علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه تبارك وتعالى فأيقن به ، فقال كذلك أنت إلهي أسمع أم بكلام رسولك؟ فقال :
بل أنا الذي أكلمك فادن مني. الحديث قد رواه عبد الرحمن بن حميد في «تفسيره» ويعقوب بن سفيان الفسوي.
وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا أحب الله عبدا نادى جبرائيل إن الله قد أحب فلانا فأحبه» (١) الحديث.
والذي تعقله الأمم من النداء إنما هو الصوت المسموع كما قال الله تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (ق : ٤١) وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) (الحجرات : ٤) وهذا النداء هو رفع أصواتهم الذي نهى الله عنه المؤمنين وأثنى عليهم بغضها بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) الآية (الحجرات : ٣).
وكل ما في القرآن العظيم من ذكر كلامه وتكليمه وأمره ونهيه دال على أنه تكلم حقيقة لا مجازا ، وكذلك نصوص الوحي الخاص كقوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) (النساء : ١٦٣).
قال الجارودي : سمعت الشافعي يقول : أنا مخالف ابن علية في كل شيء حتى في قول لا إله إلا الله. أنا أقول لا إله إلا الله الذي كلم موسى من وراء الحجاب ، وهو يقول لا إله إلا الله الذي خلق كلاما أسمعه موسى.
وقد نوع الله تعالى هذه الصفة في إطلاقها عليه تنويعا يستحيل معه نفي حقائقها ، بل ليس في الصفات الإلهية أظهر من صفة الكلام والعلو والفعل والقدرة ، بل حقيقة الإرسال تبليغ كلام الرب تبارك وتعالى ، وإذا انتفت عنه حقيقة الكلام انتفت حقيقة الرسالة والنبوة ، والرب تبارك وتعالى يخلق بقوله وكلامه كما قال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) فإذا
__________________
(١) رواه البخاري (٣٢٠٩) ، ومسلم (٢٦٣٧).