وأيضا فالتبليغ والبلاغ هو الإيصال ، وهو معدى من بلغ إذا وصل ، والإيصال حقيقة أن يورد إلى الموصل إليه ما حمله إياه غيره ، فله مجرد إيصاله.
(الأصل الثاني) إن التبليغ فعل المبلغ وهو مأمور به مقدور له. وتبليغه هو تلاوته بصوت نفسه ، فلو كان الصوت والتلاوة وصوت المتكلم به أزلي وتلاوته لم يكن فعلا مأمورا به مضافا إلى المأمور. وبالجملة فالتبليغ هو صوت المبلغ القائم به.
قال البخاري : باب ما جاء في قوله تعالى : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «بلغوا عني ولو آية ، وليبلغ الشاهد الغائب وأن الوحي قد انقطع» (١) فتأمل مقصوده بقوله : وإن الوحي قد انقطع» فلو كانت أصواتنا بالقرآن هي نفس الصوت القديم الذي تكلم الله تعالى به لم يكن الوحي قد انقطع. بل هو متصل ما دامت أصوات العباد مسموعة بالتلاوة ، فالقائلون إن هذا الصوت القديم ظهر عند تلاوة التالي ، وهو الصوت الذي أوحى الله به الوحي إلى رسوله ، وهو غير منقطع لزمه لزوما بينا أن الوحي متصل غير منقطع.
قال البخاري : في كتاب «خلق أفعال العباد» ويذكر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان يحب أن يكون الرجل خفت الصوت ، ويكره أن يكون رفيع الصوت ، وأن الله سبحانه ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب (٢) ، فليس هذا لغير الله تعالى.
قال أبو عبد الله : وفي الدليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق ، لأن صوت الله يسمع من بعد كما يسمع من قرب ، وأن الملائكة يصعقون من صوته ، فإذا نادى جبرائيل الملائكة لم يصعقوا ، ثم ساق في الباب أحاديث تكلم الله الصوت محتجا بها.
__________________
(١) رواه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص ١١٦) وفي «الصحيح» (٣٤٦١) الشطر الأول منه من حديث عبد الله بن عمرو.
(٢) المصدر السابق (ص ١٣٧).