الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء : ٥٨) الآية وأجمع المسلمون أن الرد إليه هو الرجوع إليه في حياته والرجوع إلى سنته بعد مماته ، واتفقوا أن فرض هذا الرد لم يسقط بموته فإن كان متواتر اخباره وآحادها لا تفيد علما ولا يقينا لم يكن للرد إليه وجه.
ولما أصّل أهل الزيغ والضلال هذا الأصل ردوا ما تنازع فيه الناس من هذا الباب إلى منطق اليونان ، وخيالات الأذهان ، ووحي الشيطان ، ورأى فلان وفلان ، وهؤلاء يتناولهم قوله سبحانه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء : ٦٠) والطاغوت اسم لكل ما تعدى حده وتجاوز طوره ، ومعلوم أن هذا الذي يتحاكم إليه أهل الزيغ حده أن يكون محكوما عليه لا حاكما.
ثم أخبر تعالى عن حال هؤلاء المتحاكمين إلى غير ما جاء به رسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (النساء : ٦١) فجعل الإعراض عما جاء به الرسول والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدود بحكمه والتسليم لما حكم به رضا واختيارا محبة ، فهذا حقيقة الإيمان ، وذلك الإعراض حقيقة النفاق.
ثم أخبر سبحانه عن عقوبة المعرضين عن التحاكم إليه الراضين بحكم الغير من خلقه في قوله : (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) (النساء : ٦٢) فأخبر أن هذا الإعراض عن التحاكم إليه سبب لأن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيهم كما قال في الآية الأخرى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (النور : ٦٣) وقال في المتولين عن حكمه (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) (المائدة : ٤٩).
قال أبو داود حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير أنه