مضمونها فهو كافر ، مع علم من له اطلاع على سيرتهم وأحوالهم بأنهم من أعظم الناس صدقا وأمانة وديانة وأوفرهم عقولا وأشدهم تحفظا وتحريا للصدق ومجانبة للكذب ، وأن أحدا منهم لا يحابي في ذلك أباه ولا ابنه ، ولا شيخه ولا صديقه ، وأنهم حرروا الرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تحريرا لم يبلغه أحد سواهم ، لا من الناقلين عن الأنبياء ولا من غير الأنبياء ، وهم شاهدوا شيوخهم على هذه الحال وأعظم ، وأولئك شاهدوا من فوقهم كذلك وأبلغ ، حتى انتهى الأمر إلى من أثنى عليهم أحسن الثناء ، وأخبر برضاه عنهم واختباره لهم واتخاذه إياهم شهداء على الأمم يوم القيامة.
ومن تأمل ذلك أفاده علما ضروريا بما ينقلونه عن نبيهم أعظم من كل علم ينقله كل طائفة عن صاحبه ، وهذا أمر وجداني عندهم لا يمكنكم جحده بل هو بمنزلة ما تحسونه من الألم واللذة والحب والبغض ، حتى أنهم يشهدون بذلك ويحلفون عليه ويباهون من خالفهم عليه.
وقول هؤلاء القادحين في أخباره وسنته يجوز أن يكون رواة هذه الأخبار كاذبين أو غالطين ، بمنزلة قول أعدائه يجوز أن يكون الذي جاءه به شيطان كاذب.
وكل أحد يعلم أن أهل الحديث أصدق الطوائف كما قال عبد الله بن المبارك وجدت الدين لأهل الحديث ، والكلام للمعتزلة ، والكذب للرافضة ، والخيل لأهل الرأي ، وسوء الرأي التدبير لآل أبي فلان.
وإذا كان أهل الحديث عالمين بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال هذه الأخبار وحدث بها في الأماكن والأوقات المتعددة ، وعلمهم بذلك ضروري ، لم يكن من لا عناية له بالسنة والحديث ، وأن هذه الأخبار آحاد لا تفيد العلم ـ مقبولا عليهم ، فإنهم يدعون العلم الضروري. وخصومهم إما أن ينكروا حصوله لأنفسهم أو لأهل الحديث ، فإن أنكروا حصوله لأنفسهم لم يقدح ذلك في حصوله لغيرهم ، وإن أنكروا حصوله لأهل الحديث كانوا مكابرين لهم على ما يعلمونه من نفوسهم بمنزلة من يكابر غيره على ما يجده في نفسه من فرحه وألمه ، وخوفه