المخبر ويفيده خبره العلم واليقين لمعرفته بحاله وسيرته ، ونوع لا علم لهم بذلك ، وليس عندهم من المعرفة بحال المخبرين ما عند أولئك فهؤلاء قد لا يفيدهم خبرهم اليقين ، فإذا انضم عمل المخبر وعلمه بحال المخبر وانضاف إلى ذلك معرفة المخبر عنه ونسبة ذلك الخبر إليه ، أفاد ذلك علما ضروريا بصحة تلك النسبة ، وهذا في إفادة العلم أقوى من خبر رجل مبرز في الصدق والتحفظ ، عن رجل معروف بغاية الإحسان والجود إنه سأله رجل معدم فقير ما يغنيه فأعطاه ذلك ، وظهرت شواهد تلك العطية على الفقير ، فكيف إذا تعدد المخبرون عنه وكثرت روايتهم وأحاديثهم بطرق مختلفة ، وعطايا متنوعة في أوقات متعددة.
* * *
قال أبو محمد بن حزم : ومما يبين أن أخبار رسول الله صلىاللهعليهوسلم تفيد العلم أن الله تعالى قال : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل : ٤٤) فصحّ أنه صلىاللهعليهوسلم مأمور ببيان القرآن للناس ، وفي القرآن مجمل كثير ، كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مما لا يعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه ، لكن بتبيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا كان بيانه لذلك المجمل محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه فقد بطل الانتفاع بنص القرآن ، وبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه إذا لم ندر صحيح مراد الله تعالى منها مما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب الكاذب ؛ ومعاذ الله من هذا.
قال : وأيضا فنقول لمن قال : إن خبر الواحد العدل عن مثله مبلغا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لا يوجب العلم ، وأن يجوز فيه تعمد الكذب والوهم ، وأنه غير مضمون الحفظ : أخبرونا هل يمكن أن يكون عندكم شريعة فرض أو تحريم أتى بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومات وهي باقية لازمة للمسلمين غير منسوخة ، فجهلت حتى لا يعلمها علم اليقين أحد من أهل الإسلام في العالم أبدا؟ وهل يمكن عندكم أن يكون حكم موضوع بالكذب أو بخطإ بالوهم قد جاوز ومضى واختلط بأحكام الشريعة اختلاطا لا يجوز أن يميزه أحد من أهل الإسلام في العالم أبدا. أم لا يمكن عندكم شيء من هذين الوجهين؟ فإن قالوا لا يمكننا أبدا بل قد أمنا ذلك ،