(قلنا) ليس هذا من الحكم في الدين بالظن في شيء بل كله باب واحد لأنه تعالى حرم علينا أن نقول عليه في الدين بالتحريم والإباحة والإيجاب ما لا نعلم ، وبين لنا كل ما لزمنا من ذلك ، فوجب القطع بكل ذلك كما وجب القطع بتخليد الكفار في النار ، وتخليد المؤمنين في الجنة ، ولا فرق ، ولم يجز القول بالظن في شيء من ذلك كله.
فإن قالوا أنتم تقولون إن الله تعالى أمرنا بالحكم بم شهد به العدل مع يمين الطالب وبما شهد به العدلان فصاعدا ، وبما حلف عليه المدعى عليه إذ لم يقم المدعى بينه في إباحة الدماء والفروج والأبشار والأموال المحرمة ، وكل ذلك بإقرارهم ممكن أن يكون في باطن الأمر بخلاف ما شهد به الشاهد وحلف عليه الحالف ، وهذا هو الحكم بالظن الذي أنكرتم علينا قوله في خبر الواحد.
قلنا لهم وبالله التوفيق : بين الأمرين فروق واضحة كالشمس (أحدها) أن الله تعالى قد تكفل بحفظ الدين وإكماله وتبيينه من الغي ومما ليس منه ، ولم يتكفل تعالى بحفظ دمائنا ولا بحفظ فروجنا ولا بحفظ أبشارنا وأموالنا في الدنيا ، بل قدر كثيرا من ذلك يؤخذ بغير حق في الدنيا ، وقد نص على ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ يقول : «إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» (١) ، وبقوله للمتلاعنين «إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب» (٢).
(والفرق الثاني) أن حكمنا بشهادة الشاهد ويمين الحالف ليس حكما بالظن كما زعموا بل نحن نقطع لهم بأن الله تعالى افترض علينا الحكم بيمين الطالب مع الشهادة العدل وبيمين المدعى عليه إذا لم تقم بينة وشهادة العدل والعدلين والعدول عندنا وإن كانوا في باطن الأمر كاذبين أو واهمين ، فالحكم بكل ذلك حق عند الله تعالى وعندنا مقطوع على غيبه.
__________________
(١) رواه البخاري (٢٦٨٠) ومسلم (١٧١٣).
(٢) رواه البخاري (٥٣٠٧) ومسلم (النكاح : ٢ / ٦).