وبعث إلى أهل خيبر في أمر القتيل واحدا يقول : إما أن تؤدوا أو تؤذنوا بحرب من الله ورسوله. وبعث إلى قريظة أبا لبابة بن عبد المنذر يستنر لهم على حكمة. وجاء أهل قباء واحد وهم في مسجدهم يصلون فأخبرهم بصرف القبلة إلى المسجد الحرام فانصرفوا إليه في صلاتهم ، واكتفوا بقوله ، ولا بد في مثل هذا من وقوع العلم به.
وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يرسل الطلائع والجواسيس في بلاد الكفر ويقتصر على الواحد في ذلك ويقبل قوله إذا رجع. وربما أقدم عليهم بالقتل والنهب بقوله وحده ، ومن تدبر قول النبي صلىاللهعليهوسلم وسيرته لم يخف عليه ما ذكرناه ، وما يرد هذا إلا مكابر ومعاند.
ولو أنك وضعت في قلبك أنك سمعت الصديق والفاروق رضي الله عنهما أو غيرهما من وجوه الصحابة يروي لك حديثا عن النبي ، في أمر من الاعتقاد من جواز الرؤية على الله وإثبات القدر أو غير ذلك لوجدت قلبك مطمئنا إلى قوله لا يداخلك شك في صدقه وثبوت قوله ، وفي زماننا ترى الرجل يسمع من أستاذه الذي يختلف إليه ويعتقد فيه التقدمة والصدق أنه سمع أستاذه يخبر عن شيء من عقيدته التي يريد أن يلقى الله بها ، فيحصل للسامع علم بمذهب من نقل عنه أستاذه ذلك بحيث لا يختلجه شبهة ولا يعتريه شك ، وكذلك كثير من الأخبار التي يقتضيها العلم توجد بين الناس فيحصل لهم العلم بذلك الخبر ومن رجع إلى نفسه علم بذلك.
(قال) واعلم أن الخبر وإن كان يحتمل الصدق والكذب والظن فللتجوز فيه مدخل ، ولكن هذا الذي قلناه لا يناله أحد إلا بعد أن يكون معظم أوقاته وأيامه مشتغلا بالحديث والبحث عن سيرة النقلة والرواة ، ليقف على رسوخهم في هذا العلم وكبير معرفتهم به وصدق ورعهم في أقوالهم وأفعالهم ، وشدة حذرهم من الطغيان والزلل ، وما بذلوه من شدة العناية في تمهيد هذا الأمر ، والبحث عن أحوال الرواة والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها ، وكانوا بحيث لو