قتلوا لم يسامحوا أحدا في كلمة يتقولها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا فعلوا هم بأنفسهم ذلك ، وقد نقلوا هذا الدين إلينا كما نقل إليهم وأدوا كما أدى إليهم ، وكانوا في صدق العناية والاهتمام بهذا الشأن ما يجل عن الوصف ويقصر دونه الذكر ، وإذا وقف المرء على هذا من شأنهم وعرف حالهم وخبر صدقهم وورعهم وأمانتهم ، ظهر له العلم فيما نقلوه ورووه.
(قال) والذي يزيد ما قلنا إيضاحا أن النبي صلىاللهعليهوسلم حين سئل عن الفرقة الناجية قال «ما أنا عليه وأصحابي» (١) فلا بد من تعرّف ما كان عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه وليس طريق معرفته إلى النقل ، فيجب الرجوع إلى ذلك ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا تنازعوا الأمر أهله» (٢) فكما يرجع في مذاهب الفقهاء الذين صاروا قدوة في هذه الأمة إلى أهل الفقه ، ويرجع في معرفة اللغة إلى أهل اللغة ، وفي النحو إلى أهل النحو ، وكذا يرجع في معرفة ما كان عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه إلى أهل الرواية والنقل ، لأنهم عنوا بهذا الشأن واشتغلوا بحفظه والفحص عنه ونقله ، ولولاهم لاندرس علم النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يقف أحد على سنته وطريقته.
(ثم قال الإمام أبو المظفر) : فإن قالوا فقد كثرت الآثار في أيدي الناس واختلطت عليهم (قلنا) ما اختلطت إلا على الجاهلين بها ، فأما العلماء بها فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير ، فيميزون زيوفها ويأخذون خيارها ، ولئن دخل في أغمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث وورثة العلماء حتى أنهم عدوا أغاليط من غلط في الإسناد والمتون ، بل تراهم يعدون على كل واحد منهم كم في حديث غلط ، وفي كل حرف حرف ، وما ذا صحف ، فإذا لم ترج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون والحروف فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة وتوليدهم الأحاديث التي يرويها الناس حتى خفيت على أهلها ، وهو قول بعض الملاحدة
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه وهو ضعيف الإسناد حسن لغيره.