الثالث : الجواب عن المعارض ، فإن مدعى الحقيقة قد قام الدليل العقلي والسمعى عنده على إرادة الحقيقة : أما السمعى فلا يمكنك المكابرة أنه معه. وأما العقلي فمن وجهين : عام ، وخاص ، فالعام الدليل الدال على كمال علم المتكلم ، وكمال بيانه ، وكمال نصحه. والدليل العقلي على ذلك أقوى من الشبه الخيالية التي يستدل بها النفاة بكثير. فإن جاز مخالفة هذا الدليل القاطع فمخالفة تلك الشبه الخيالية أولى بالجواز ، وإن لم يجز مخالفة تلك الشبه فامتناع مخالفة الدليل القاطع أولى ، وأما الخاص فكل صفة وصف الله تعالى بها نفسه ووصفه بها رسوله صلىاللهعليهوسلم فهى صفة كمال قطعا. فلا يجوز تعطيل صفات كماله وتأويلها بما يبطل حقائقها.
فالدليل العقلي الذي دل على ثبوت الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر ، دل نظيره على ثبوت الحكمة والرضى والرحمة والغضب والفرح والضحك. والذي دل على أنه فاعل بمشيئته واختياره دل على قيام أفعاله به. ذلك عين الكمال. وكل صفة دل عليها الكتاب والسنة فهي صفة كمال. والعقل جازم بإثبات صفات الكمال لله تعالى ، ويمتنع أن يصف نفسه أو يصفه رسوله بصفة توهم نقصا. وهذا دليل أيضا أقوي من كل شبهة للنفاة.
يوضحه : أن أدلة مباينة الرب لخلقه وعلوه على جميع مخلوقاته أدلة عقلية فطرية توجب العلم الضروري بمدلولها.
وأما السمعية فتقارب ألف دليل. فعلى المتأول أن يجيب عن ذلك كله. وهيهات له بجواب صحيح عن بعض ذلك. فنحن نطالبه بجواب صحيح عن دليل واحد وهو :
أن الرب تعالى إما أن يكون له وجود خارج عن الذهن ثابت في الأعيان ، أو لا؟ فإن لم يكن له وجود خارجى كان خيالا قائما بالذهن لا حقيقة له ؛ وهذا حقيقة قول المعطلة ؛ وإن تستروا بزخرف من القول ، وإن كانت وجوده خارج الذهن فهو مباين له ، أو هو منفصل عنه ، إذا لو كان قائما به لكان عرضا من أعراضه. وحينئذ فإما أن يكون هو هذا العالم ، أو غيره. فإن كان هذا العالم ،