(ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) وأراد إفهام تخريب السماوات والأرض وإعادتهما إلى العدم بقوله : «يقبض الله السماوات بيده اليمنى والأرض باليد الأخرى ، ثم يهزهن ، ثم يقول : أنا الملك» (١) وأراد إفهام معنى : من ربك ومن تعبد ، بقوله «أين الله» (٢) وأشار بإصبعه إلى السماء مستشهدا بربه ، وليس هناك رب وإله : وإنما أراد إفهام السامعين أن الله قد سمع قوله وقولهم. فأراد بالإشارة بإصبعه بيان كونه قد سمع قولهم. وأمثال ذلك من التأويلات الباطلة التي يعلم السامع قطعا أنها لم ترد بالخطاب. ولا تجامع قصد البيان.
قال شيخ الإسلام : إن كان الحق فيما يقوله هؤلاء النفاة الذين لا يجدون ما يقولونه في الكتاب والسنة وكلام السلف والأئمة بل يجدونها على خلاف الحق عندهم إما نصا وإما ظاهرا ، بل دلت عندهم على الكفر والضلال ، لزم من ذلك لوازم باطلة ، منها : أن يكون الله سبحانه قد أنزل في كتابه وسنة نبيه صلىاللهعليهوسلم من هذه الألفاظ ما يضلهم ظاهره ويوقعهم في التشبيه والتمثيل ، ومنها : أن يكون قد ترك بيان الحق والصواب ولم يفصح به ، بل رمز إليه رمزا وألغزه إلغازا لا يفهم منه إلا بعد الجهد الجهيد ، ومنها : أن يكون قد كلف عباده ألا يفهموا من تلك الألفاظ حقائقها وظواهرها ، وكلفهم أن يفهموا منها ما لا تدل عليه. ولم يجعل معها قرينة تفهم ذلك ، ومنها : أن يكون دائما متكلما في هذا الباب بما ظاهره خلاف الحق بأنواع متنوعة من الخطاب ، تارة بأنه استوى على عرشه ، وتارة بأنه فوق عباده ، وتارة بأنه العلى الأعلى ، وتارة بأن الملائكة تعرج إليه ، وتارة بأن الأعمال الصالحة ترفع إليه ، وتارة بأن الملائكة في نزولها من العلو إلى أسفل تنزل من عنده ، وتارة بأنه رفيع الدرجات ، وتارة بأنه في السماء ، وتارة بأنه الظاهر الذي ليس فوقه شيء. وتارة بأنه فوق سماواته على عرشه ، وتارة بأن الكتاب نزل من عنده ، وتارة بأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ، وتارة بأنه
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه مسلم في (المساجد / ٥٣٧) ، والإمام مالك في «الموطأ» ، كتاب : العتق ، باب : ما يجوز من العتق.