الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (الأعراف : ٢٠) فذكر لهما عدو الله الشجرة التي نهيا عنها ، إما بعينها أو بجنسها ، وصرح لهما بأنها هي المنهي عنها. لو كان عند آدم أن المنهي عنه تلك الشجرة المعينة دون سائر النوع لم يكن عاصيا بأكله من غيرها ، ولا أخرجه الله من الجنة ونزع عنه لباسه.
وقالت فرقة أخرى تأول آدم أن النهي نهي تنزيه لا نهي تحريم فأقدم ، وأيضا فحيث نهي الله تعالى عن فعل الشيء بقربانه لم يكن أصلا لتحريم كقوله : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) (البقرة : ٢٢٢) (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) (الإسراء : ٣٢) (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) (الإسراء : ٣٤) ، وأيضا لو كان للتنزيه لما أخرجه الله من الجنة ، وأخبر أنه عصى ربه (١).
وقالت طائفة : بل كان تأويله أن النهي إنما كان عن قربانهما وأكلهما معا ، لا عن أكل كل منهما على انفراده ، لأن قوله : (وَلا تَقْرَبا) نهي لهما عن الجمع ، ولا يلزم من حصول النهي حال الاجتماع حصوله حال الانفراد ، وهذا التأويل ذكره ابن الخطيب (٢) في «تفسيره» وهو كما ترى في البطلان والفساد. ونحن نقطع أن هذا التأويل لم يخطر بقلب آدم وحواء البتة ، وهما
__________________
(١) وقال ابن حزم : حمل الأمر على الندب ، والنهي على الكراهة ، يقع فيه الفقهاء والأفاضل كثيرا وهو الذي يقع من الأنبياء عليهمالسلام ويؤاخذون به ، وعلى هذا السبيل أكل آدم من الشجرة ، ومعنى قوله (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) : أى ظالمين لأنفسكما ، والظلم في اللغة : وضع الشيء في غير موضعه ، فمن موضع الندب والكراهة فقد وضع الشيء في غير موضعه ا ه أفاده الشيخ ابن مفلح في «مصائب الإنسان».
(٢) هو الفخر الرازي صاحب التفسير الكبير وقد سبق التعريف به ، وقال الشيخ حمد ابن عتيق رحمهالله تعالى في رسالته إلى الإمام محمد صديق خان : وهذا الرجل وإن كان يلقب بالفخر فله كلام في العقائد قد زل فيه زلات عظيمة وآخر أمره الحيرة نرجو أنه تاب من ذلك ومات على السنة فلا تغتر بأمثال هؤلاء ـ قال شيخ الإسلام رحمهالله في «المحصل» :
وسائر كتب الكلام والمختلف أهلها مثل كتب الرازي وأمثاله وكتب المعتزلة والشيعة والفلاسفة ونحو هؤلاء لا يوجد فيها ما بعث الله به رسوله في أصول الدين بل وجد فيها حق ملبوس بباطل ا. ه (مقدمة قطف الثمر بتحقيق د / عاصم القريوتى).