أما الأول فإنه سبب قوى للغم والحزن والوحشة ، فإن المخالطة موجبة للمنازعة إما فى الحال وإما فى المستقبل ، إما فى كل الأمور أو فى بعضها ، والمنازعة موجبة لقصد (١) كل واحد من المتنازعين قهر صاحبه بوجه ما والمقهورية موجبة للغم والحزن.
وأما الثانى ، وهو أن يعيش منفردا عنهم فذاك أيضا من أقوى موجبات الغم ، إلا أن الإنسان خلق بحيث لا تكمل مصالحه البتة إلا بالجمع العظيم ، فإذا أنفرد عن ذلك الجمع اختلف مصالحه ـ فثبت أن حياة الإنسان مع المخالطة بالغير توجب الزحمة والوحشة ، ومع الانفراد توجب الوحشة والكآبة ، فثبت أنه لا خلاص البتة عن الهموم والآلام.
الموجب الثالث من موجبات الغم والحزن ، وهو إما أن يكون أكمل من غيره أو مساويا له أو أنقص منه ، فإن كان أكمل من غيره كان ذلك الغير ناقصا ، والنقص مبغوض لذاته مكروه لعينه ـ فذلك الناقص لا يمكنه دفع النقص عن نفسه إلا بإبطال كون ذلك الغير أكمل ، وما كان من لوازم المطلوب لذاته يكون أيضا مطلوبا ، فلهذا السبب حيل الناقص على السعى فى إبطال كمال الكامل إما ابطالا فى نفسه وذاته ، وإما بإخفاء ذلك الكمال عن أعين الناس ، وكل واحد من هذين القسمين فإنه حالة منافية بالذات لذلك الكمال وموجبه وقوع الحزن وألم القلب وتشويش الخاطر.
وأما إن كان مساويا لغيره فنقول : الكمال محبوب لذاته فلا جرم كان كل واحد من المتساويين يريد (٢) إرادة حازمة أن يجعل نفسه أكمل
__________________
(١) المخطوطة : قصد
(٢) أيضا : مريد إرادة حازمة